الحرب علي الفساد والفاسدين ليست سهلة أو هينة ويبدو أنها سوف تستغرق وقتا طويلاً.. فشلالات الفساد تنهدر بقوة جارفة أمامها كل آمال الشعب في استئصاله والقضاء عليه وهوما أصاب الشارع بالصدمة.
ورغم إعلان حكومة "إسماعيل" بداية عهده بالحرب علي الفساد ومن قبلها حكومة "محلب" التي أعلنت مرارا وتكرارا أنه لا هوادة مع الفاسدين غير أنهم مازالوا يخرجون ألسنتهم لعامة الشعب ويعيثون في الأرض إفساداً ونهبا للمال العام وكأنه ليس هناك قوانين تردعهم أو عقوبات يخشونها وكنت أظن أن فضيحة وزير الزراعة السابق سوف تكون رادعا للمرتشين والحرامية وأصحاب الضمائر الميتة والذمم الخربة ولكن خاب ظني وفوجئت بفضيحة أخري بالعيار الثقيل وهذه المرة بوزارة التموين عن توريد كميات كبيرة من الأقماح المستوردة الرخيصة للشون علي أنها محلية للاستفادة من فارق السعر الذي يزيد علي 1500 جنيه للطن!!
كان الاستاذ علي فاروق "نائب أول رئس التحرير" قد كشف النقاب منذ فترة اثناء توريد القمح للشون عن هذه الجريمة وكانت قبل واقعة وزير الزراعة التي هزت وشغلت الرأي العام وأحرجت حكومة "محلب" وكانت أحد أسباب تغييرها.
لكن كعادة وزير التموين د. خالد حنفي وبعض معاونيه انبروا في نفي ذلك مؤكدين علي سلامة موقفهم وأن كل الكميات التي تم توريدها للشون محلية ولم تتسلل حبة قمح واحدة مستوردة للشون وصوامع التخزين.
جريدة الجمهورية كشفت في عدد الاثنين عن الفضيحة بالتفصيل.. مؤكدة أن كميات القمح المعتاد تسويقها لا تتعدي 9.3 مليون طن في أكثر المواسم توريدا وفي الموسم الحالي تسلمت الشون والصوامع 2.5 مليون طن في سابقة لم تحدث منذ سنوات.. وكشفت أيضا أن مكتب النائب العام تلقي بلاغا مؤخرا يحمل رقم 16293 وأخر للرقابة الإدارية بالقليوبية بتوريد أقماح وهمية علي الورق بلغت 5.1 مليون طن بعضها لشون "المصنع" و"التيسير" و"عرب العبابدة" بالقليوبية و"الفجر" بالمنوفية و"التيسير" بالشرقية.. ووفقا لجريدة الجمهورية تكشف البلاغات أن الشركة المذكورة وردت أكثر من 213 ألف طن قمح وتقاضت 600 مليون جنيه عن كميات معظمها لا وجود له إلا علي الورق فقط وأن الشركة المذكورة تقوم الآن بتوريد وتسديد الكميات من القمح المستورد الرخيص!!
إنها فضيحة كبري تؤكد أن الفساد متجذر ومن الصعب استئصاله والقضاء عليه وأنه علي مدار عشرات السنوات الماضية عشش بقوة في كل مكان إلا ما رحم ربي والمؤكد أن هناك فضائح أخري عن اقماح مستوردة تم توريدها ولم تنكشف بعد وربما لا تنكشف خاصة أن سارقي قوت الشعب بارعين في تستيف أوراقهم ومطمئنون أن هناك من يتستر علي فسادهم ويحميه.
ولا أ حد ينكر أن وزير التموين نجح في توفير رغيف الخبز للبسطاء والقضاء علي الطوابير التي طالما عانوا منها كثيرا وهم يرون أطيب العيش يخرج أمامهم للكبار وصفوة القوم وهم لا حول لهم ولا قوة.. ولكن ذلك ليس مبررا لدفاع الوزير عن مستوردي القمح المستورد ونفيه أي شبهة عنه.
وأخيرا..
التستر علي الفاسدين والانتقائية في العقاب أكبر عقبة في طريق بناء مصر الحديثة.