الوطن
محمد أبو حامد
العلوم والثروة
- من محاضرة للدكتور جورج صليبا وهو مفكر لبنانى الأصل، وأستاذ للعلوم العربية والإسلامية فى جامعة كولومبيا منذ عام 1979، والأطروحة التى عرضها فى محاضرته تقول إنّ الوضع الاجتماعى، سواء أكان اقتصادياً أو سياسياً أو غيره، لا يمكن أن يفصل عن ماهية العلم نفسه أو عن سبب انتعاش هذا العلم أو تعثّره.

- إننا إذا نظرنا فى معظم الأبحاث التى حاولت الوصول إلى أسباب الانحطاط الذى أصاب العلوم فى العالم الإسلامى، سوف نجدها ترجع ذلك إلى أحد أمرين: أولاً أعمال أبى حامد الغزالىّ وبخاصّة كتابه (تهافت الفلاسفة) والذى قتل العلوم الطبيعية مجتمعة فى العالم والحضارة الإسلامية، وثانياً الغزو المغولى البربرى، والذى دمر بغداد فى عام 1258، ولو كنّا سنصدق أحد هذين التفسيرين أو كليهما على أنهما بالفعل تسببا فى انحطاط العالم الإسلامى، فسيصبح لدينا مشاكل حقيقية لن نستطيع تفسيرها نظرياً.

- فلو كان «الغزالى» هو المسئول عن موت العلوم فى العالم الإسلامى، فما تفسير الأعمال التى قام بها علماء من أمثال: الجزرىّ، وشرف الدين الطوسىّ، وابن النفيس، والشيرازى، والنيسابورى، وابن الشاطر، وغيرهم، ممّن كانت لهم اليد الطولى فى المجالات العلميّة، جميع هؤلاء عاشوا وعملوا وأنتجوا بعد موت الغزالى، إذن لو الغزالى قتل العلم، فماذا كان يفعل هؤلاء؟

- كذلك لو كان الغزو المغولى تسبب فى هذا الانحطاط، فإذن بماذا نفسر أشهر مرصد صنع على الإطلاق فى العالم الإسلامى مرصد مراغة، وهو مرصد فلكى أسسه نصير الدين الطوسى سنة 1259 م أى بعد سنة واحدة من تدمير بغداد، وكانت مراغة مدينة علمية مفعمة بالحياة، كيف كان لهذا أن يحدث فى حضارة دمرت تماماً؟

- إذن كل ما ذكرت سابقاً هو فقط لأقول إن التفسيرين السابقين يعجزان عن تفسير الحقائق التى لدينا على الأرض، والتى تناشدنا لنعيد التفكير فيما حصل للعلوم فى العالم الإسلامى، الذى يبدو جلياً أنه كان هناك موروث علمى استمر حتى القرن السادس عشر على الرغم من الغزالى والغزو المغولى، بالتأكيد هناك شىء ما حدث فى القرن السادس عشر، وهو الذى أبطأ عجلة التقدم العلمى فى العالم الإسلامى، القرن السادس عشر الذى ظهر فيه كوبرنيكوس وفى القرن الذى يليه ظهر كبلر وجاليليو وبقية الثورة العلمية التى نعلم أنها كانت متأثرة تقنياً بعلوم العالم الإسلامى، ونحن نعلم كيف تبنى كوبرنيكوس معادلات ابن الشاطر ونظريات الطوسى، هذا هو القرن السادس عشر الذى نعرفه، والحقائق التى توضح لأى مدى كان يتضمن الكثير من علوم العرب، جوزيف نيدهام لاحظ نفس الملاحظة قبل خمسين سنة، لاحظ أنه: فى القرن السادس عشر كانت الحضارات الصينية والإسلامية والأوروبية فى نفس المستوى، ومن ثم تساءل: لماذا ازدهر العلم الحديث فى أوروبا فقط؟ وليس فى العالم الإسلامى والصين؟ وبما أن المشكلة حدثت فى الصين والعالم الإسلامى فكلاهما لم يتمكنا من إنتاج العلم الحديث، فالسؤال المناسب يجب أن يكون: ما الشىء الصحيح الذى حدث فى أوروبا فى القرن السادس عشر، فكانت ثورتها العلمية؟

حدث فى ذلك القرن أمر ليست له علاقة بالعلم نفسه ولكنه على علاقة وثيقة بتوزيع الثروة، إن طرق التجارة العالمية قبل القرن السادس عشر كانت تتقاطع كلها فى العالم الإسلامى ومعلوم أنه كلما ازدهرت تجارتك ازدهرت أشغالك، وازدهرت ثقافتك وتطورك، فعلى الرغم من الحروب والصراعات والممالك وما إلى ذلك، كانت لا تزال هناك ثروة تساهم فى صناعة هؤلاء العلماء، ولكن مع القرن السادس عشر واكتشاف العالم الجديد أصبحت طرق التجارة تقطع المحيطات لأمريكا، ومع اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح أصبحت التجارة تدور حول أفريقيا، وأصبح العالم الإسلامى متروكاً بلا تجارة إذن، كيف يمكنهم أن يحصلوا على المال؟ وكيف بإمكانك أن تدعم العلماء والمعاهد لو لم يكن لديك مال؟ ومع عصر الاكتشاف والذى بسرعة حوّل نفسه لعصر الاستعمار أعاد لأوروبا الثروة والذهب والفضة بالأطنان، أيضاً جاءت إضافة اقتصادية مهمة أخرى من الأفارقة ومن سكان أمريكا الأصليين هى السخرة وهكذا أصبح لديهم فائض كبير فى رأس المال، وحصل إدراك لديهم أن هذا الفائض تحقق نتيجة الاعتماد على العلوم الطبيعية وأن هذه العلوم بإمكانها أن تستخدم مرة أخرى لزيادة تكديس الثروة. بعد ذلك بدأ الاستثمار فى العلم لإنتاج المزيد من رأس المال، هذه هى الطريقة التى بدأوا بها رؤية الأمور وتحرروا من حتمية أرسطو التى تقول: إن العلم من أجل العلم فقط لمعرفة الحقيقة، وأصبحوا يقولون نريد العلم لكى نحصل على المال، فالعلم أصبح نشاطاً تجارياً، تستثمر فيه وتتوقع أن تستعيد أكثر مما استثمرته.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف