الوطن
محمد صلاح البدرى
أسئلة غير مشروعة!
طبيب شاب حدثنى عن غزارة الأسئلة التى وجهت إليه مؤخراً، التى تدور كلها عن الوسائل التى يمكن التحايل بها على ذلك التحليل الذى يظهر المخدرات فى البول والدم. إلى هنا والأمر لا يستدعى الاندهاش أو القلق، فقد كنت أتعرض فى الماضى لمثل هذا السؤال مرة واحدة أسبوعياً على الأقل، قبل أن تنتشر تلك الثقافة بين العامة، ليجيب عم محمد البواب بدلاً منى بكل ثقة وهو يدخن النرجيلة كعادته أمام الباب!!

المشكلة أن الأسئلة لم تكن من هؤلاء الشباب الذين يعملون جميعاً فى مهنة القيادة، والذين يتعرضون لذلك الاختبار عشوائياً كل فترة فى حملات المرور الكبرى، وهى أزمة حقيقية لهم، فمعظمهم يتعاطى على الأقل الترامادول بانتظام، ولذا فهو مدان فى أى لجنة ستستوقفه، حتى يتم الإفراج عنه فى المساء ودون ضمانات!!

الكارثة أن الأسئلة هذه المرة كانت من مرشحين لمجلس النواب، والأمر هنا لا هزل فيه، فلم أعتد من هذا الطبيب المرتبك دوماً أن يكذب، بل إننى أكاد أجزم أنه لم يخبرنى إلا ليتأكد من معلوماته التى أدلى بها لهم بالفعل، على اعتبار أنهم من ذوى الحيثية، ومن غير المستحب أن يفقد ثقتهم ويعطيهم معلومات كاذبة!!

الصورة السابقة تشير إلى مؤشر غاية فى الخطورة، فعندما يسأل مرشح لمجلس نيابى عن هذه المعلومة فإنه بالتأكيد لا يبحث عن وسيلة لخدمة أهل دائرته، ولكنه يبحث عما يدارى به سوأته التى ستظهرها التحاليل التى أجراها للترشح! وهذا يعنى ببساطة أننا قد لا ننتظر مجلساً سوياً بأى حال من الأحوال.

الأمر كله قد يشى بخلل فى نوعية بعض المتقدمين للترشح هذه المرة، وبمد الخط على استقامته سنجد أن هناك احتمالاً أن نرى نموذجاً مشابهاً لمجلس ٢٠١٠ فى طريقه إلى التشكيل! فدوائر كاملة انتهت معركتها يوم غلق باب الترشح لأن المتقدم للترشح فيها صار وحيداً ففاز بالتزكية! دوائر أخرى تم الطعن على صحتها قبل الانتخابات لنصبح أمام خيارين أفضلهما سيئ؛ إما أن تقبل الطعون فيسقط المجلس، كما حدث لمجلس الإخوان، أو يصبح المجلس «سيد قراره» مرة أخرى، وهنا فالأفضل أن نستدعى الدكتور فتحى سرور من منزله مرة أخرى ليرأس المجلس، فهو الأكثر خبرة فى التعامل بهذه القاعدة!!

لقد أجبر الفراغ السياسى الذى تعانى منه الأحزاب إلى الاستعانة ببعض العناصر دون مستوى الشبهات لتمثيلها فى القوائم المختلفة، وعلى الرغم من أن الثمن الذى ستدفعه تلك الأحزاب سيكون باهظاً، فالثمن الذى سيدفعه الشعب من الاستعانة بهذه النماذج سيكون أفدح بكثير! فالمرشح الذى يخشى افتضاح أمره فى تحليل قبل الانتخابات قد يصل به الحال أن يفلت بصورة أو بأخرى من اختبارات الترشح ويحمل الحصانة البرلمانية، بل ولن يتوانى وقتها عن أى فعل لأنه كما تعلمون «الكيف بيذل» وسيادة النائب لن يترك أحداً يذله وقتها، بعد أن يجلس تحت القبة الموقرة!!!

الطريف أننا قد جاهدنا ليتم إلغاء نسبة العمال والفلاحين فى الدستور والتى كانت تجلب نماذج لا يصلح كثير منها للدور الأساسى للمجلس، فمجلس النواب هو مجلس تشريعى وليس مجلساً للقاء الوزراء وتأدية الخدمات بمقابل أو حتى بدونه، ولكننا -ولأسباب تتعلق بالتجريف السياسى الواقع حالياً- يبدو أننا قد نستقبل مجلساً من نوع آخر، فقد يحمل بين أعضائه من يبرم الصفقات للحصول على «تموينه» الذى يحتاجه هو وأصدقاؤه.

أعرف أن الأمر لا ينطبق على كل من ترشح لتمثيل الشعب فى مجلس النواب هذه المرة، ولكن اللبن قد يتعكر بقطرة حبر واحدة قد تفلت من اختبارات التقدم بصورة أو بأخرى!!

أعتقد أن اقتراحاً بانتظام التحليل الخاص بكشف التعاطى لكل أعضاء المجلس حتى بعد انعقاده قد يعتبر جيداً، فإذا كنا نخشى أن نرى مجلساً مشكوكاً فى إمكانياته السياسية فيجب ألا نقبل أن يصبح أيضاً من بين أعضائه «صاحب مزاج»!

وفى النهاية تظل القاعدة واحدة «فالشعب الذى ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين لا يعتبر ضحية، بل هو شريك فى الجريمة».

قالها جورج أوريل منذ زمن بعيد، ولكنها ما زالت تصلح حتى الآن!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف