الوطن
د. محمود خليل
السر فى الشيخ «عبد الحليم» (3)
طبيعى للغاية أن تجد من يزورون قبر أبى الحسن الشاذلى وغيره من الأولياء يطلبون منه الغوث والسند، كيف لا والشيخ الأكبر للإسلام الدكتور عبدالحليم محمود (الحاصل على الدكتوراه من السوربون) يصف عبدالسلام بن مشيش، أستاذ «الشاذلى» قائلاً: «هو القطب الأكبر، والعلم الأشهر، والطود الأظهر العالى السنام، هو البدر الطالع الواضح البرهان، الغنىّ عن التعريف والبيان، المشتهر فى الدنيا قدره، الذى لا يختلف فى غوثيته اثنان»، لا يختلف فى غوثيته اثنان! هكذا يرى الشيخ عبدالحليم محمود أستاذ «الشاذلى»، والقدرة على إغاثة الملهوف تتطلب المعرفة والقدرة، وأمر القدرة واضح ومفهوم فـ«الشاذلى» يتواصل مع النبى (صلى الله عليه وسلم) وهو فى قبره الشريف، فما بالك بغيره من البشر! أما أمر المعرفة فسوف تلقى فيه عجباً، إذا قرأت ما نقله الشيخ عبدالحليم محمود عن أبى الحسن الشاذلى فى مدار وصفه لنفسه، يقول «الشاذلى»: «لولا لجام الشريعة على لسانى لأخبرتكم بما يكون فى غد وبعد غد إلى يوم القيامة».

كما لم يجد الشيخ عبدالحليم محمود غضاضة فى أن يتحدث «الشاذلى» إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) فى قبره، فإنه لا يجد مشكلة فى أن يتحدث القطب الصوفى عن قدرته على معرفة الغيب، رغم التناقض الصارخ لهذه الفكرة مع ما ينص عليه القرآن الكريم من أن مفاتح الغيب فى يد الله: «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو». وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، وقد نفى القرآن الكريم عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نفسه القدرة على معرفة الغيب: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعاً وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ». فإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم (وهو المؤيد بالوحى) لا يعلم الغيب، فهل من الممكن لعاقل أن يتصور أن غيره من مخاليق الله يمكنه الاطلاع على أسرار المستقبل وإخبار الناس بما يكون فى غد وبعد غد إلى يوم القيامة؟. الشيخ عبدالحليم محمود اعتقد فى قدرة أبى الحسن الشاذلى على ذلك.

يقول الشيخ عبدالحليم محمود: «إن كلام أبى الحسن قريب العهد من الله على حد تعبير العز بن عبدالسلام، أى أن كلامه إلهام من الله، إنه ليس علماً مكتسباً من الكتب، إنه ليس تقليداً ولا توليداً، إنه ليس نتيجة بحث ودراسة، وليس ثمرة كتب ومنطق، وإنما هو إلهام وبصيرة ونور من نور الله سبحانه وتعالى». هكذا تخيل الشيخ «القطب الصوفى» فجعله قبساً من نور الله، وعلمه من علم الله، فهل نستكثر على البسطاء بعد ذلك أن يحجوا إليه ويتمسحوا بأعتابه، ويصعدوا الجبل الذى يحتضن قبره، ويجلّوه كما يجلّون جبل عرفات الذى وقف عليه النبى صلى الله عليه وسلم؟. وقياساً على ذلك يمكننا تفهم واستيعاب أن ثمة أمير جماعة ملهماً، وداعية مرموقاً ملهماً، وزعيم دولة ملهماً، وأن إلهامهم لا يقل خطراً عن إلهام القطب الصوفى أبى الحسن الشاذلى. الكل يأتيه الخبر من السماء، ولذا وجب على أهل الأرض طاعتهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف