الوفد
د. اكرام بدر الدين
انتصار رشيد والواقع والطموحات
احتفلت محافظة البحيرة في الأيام القليلة الماضية وعلى وجه التحديد يوم التاسع عشر من سبتمبر بالعيد القومي للمحافظة وهو نفس اليوم الذي حققت فيه مدينة رشيد الباسلة النصر على حملة فريزر والتي كانت تستهدف مصر بأكملها في عام 1807 واستطاعت رشيد بذلك حماية الوطن بأكمله من الغزو الأجنبي، واستطاعت أن تدحر وتهزم القوات الغازية، وأصبح هذا الانتصار وذكراه عيدا تتوارثه الأجيال وتحتفل به وتشعر بالعزة والفخر وتجعله عيدا قوميا لمحافظة البحيرة، ولعل الدلالة الهامة لمثل هذه الانتصارات أنها تخرج من النفس المصرية أفضل ما فيها وتشعل فيها روح الحماسة والغيرة والفخر، وإن ما تحقق في الماضي يمكن أن يتحقق أفضل منه في المستقبل، وهو ما يدعم من مشاعر الولاء والانتماء للوطن، ويطلق على ذلك بلغة السياسة المقدرة الرمزية للنظام، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الفجوة الهائلة التي تفصل ماضي رشيد الذي يتسم بالمجد والغيرة والفخار والانتصار حيث كانت رشيد من أهم الثغور المصرية وتشهد حركة تجارية نشطة وتشهد درجة كبيرة من الاهتمام من جانب الدولة وكانت رشيد محافظة متميزة من محافظات مصر، وبين حاضرها حيث تدهورت أحوال رشيد وتراجع الاهتمام بها وتعاني من عديد من المشاكل والأزمات والتي تحتاج إلى معالجتها لاستعادة أمجاد الماضي، ويمكن الإشارة إلى الملاحظات التالية لتوضيح مشاكل رشيد في الحاضر وكيفية علاجها في المستقبل.
أولا: مشاكل وأزمات رشيد في الحاضر، حيث تعاني المدينة من عديد من المشاكل والأزمات والتي تتضح على مختلف المستويات ولعل من أبرز هذه المشكلات:
أ - انتشار البطالة وخصوصا بين الشباب وتراجع فرص العمل وإغلاق بعض المصانع وأفرع المصانع الهامة ولعل من أشهر هذه المصانع المغلقة فرع مصنع قها للأغذية برشيد، وهو ما يدفع بعض الشباب إلى الهجرة غير المشروعة بما تنطوي عليه من أخطار وتهديد لحياتهم.
ب - مشاكل الصيادين والمتمثلة في القبض عليهم داخل المياه الإقليمية لعدد من الدول المجاورة ومصادرة السفن، فضلا عن مشكلة متكررة يعاني منها الصيادون سنويا وهي مشكلة نفوق الأسماك والتي تحتاج إلى علاج ووضع الحلول لهذه المشكلة والتي تؤثر سلبا على الثروة السمكية.
ج - مشاكل الفلاحين والتي تتمثل في ارتفاع مستلزمات الإنتاج من الأسمدة والبذور والكيماوي والمبيدات وغيرها من مستلزمات الزراعة وانخفاض العائد من بيع المنتجات الزراعية وخصوصا مع تراجع التصدير مما يسبب خسائر للفلاحين ويقوم البعض منهم باقتلاع أشجار ومحاصيل معينة نظرا لهذه المشاكل التي يعانون منها في الزراعة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف مما يؤثر على القدرة على تربية الماشية ويؤثر سلبا على انتاج اللحوم وارتفاع أسعارها.
د - عدم تنفيذ المرافق والخدمات بالمعدلات الزمنية المطلوبة، ومن ذلك على سبيل المثال مشروع الصرف الصحي والذي بدأ منذ قرابة عقدين من الزمان إلا أنه ما زالت اجزاء ومناطق متعددة من رشيد تعاني من غياب الصرف الصحي وهو ما يسبب مشكلات كبيرة و خاصة في فصل الشتاء، كما يسبب ارتفاع في المياه الجوفية والتي تؤثر سلبا على المباني والعقارات، بالإضافة إلى السلبيات التي يشكو منها أهل رشيد في مجال التعليم (المدارس وفي مجال الصحة (المستشفي العام) حيث إن هذه الخدمات ليست على المستوى المطلوب.
ثانيا: المشكلات المتعلقة بالآثار، فرغم أن رشيد تأتي في المرتبة الثانية من حيث الآثار الإسلامية بعد القاهرة، ورغم أن المدينة بأكملها تعتبر أقرب إلى المتحف المفتوح ورغم تعدد المزارات السياحية برشيد وتوابعها إلا أن الاهتمام السياحي برشيد لم يصل إلى المستوى المرجو، بل أكثر من ذلك يكون هناك نوع من عدم الاهتمام (سواء المتعمد أو غير المتعمد) ببعض المناطق والأماكن والتي تعتبر من معالم رشيد الأثرية بل والدينية ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى:
أ - الجامع المحلي وهو أهم مساجد رشيد وتبلغ مساحته 2000 متر ويطلق عليه أزهر رشيد ويشتمل على 99 عمودا ومكتبة ضخمة تضم أمهات الكتب وغمرت المياه الجوفية والصرف الصحي أرضية المسجد وبدأت محاولات للترميم منذ قرابة عقد من الزمان، ثم توقفت لأسباب غير معلومة وأصبح المسجد الآن آيلا للسقوط رغم أن الأهالي أعلنوا عن رغبتهم في الإصلاح والترميم على نفقتهم الخاصة.
ب - جامع أبومندور وهو من أشهر مساجد رشيد الأثرية والذي أصبح يعاني من الإهمال في الفترة الأخيرة، لدرجة عدم وجود إمام للمسجد في الآونة الأخيرة رغم أهمية المسجد والذي يقصده أعداد كبيرة من الأهالي والمواطنين من رشيد وخارجها وكذلك العديد من المسئولين.
ثالثا: الطموحات المستقبلية لرشيد، نتوقع أن تحظى رشيد بمزيد من الاهتمام سواء من الدولة أو المحافظة، فهي درة محافظة البحيرة والتي يتجاور فيها النهر والبحر، والزراعة والآثار والماضي والحاضر، ويمكن التركيز على التنمية السياحية والتنمية البشرية والمشروعات متناهية الصغر والتي تفيد الشباب بصفة خاصة، فضلا عن تدعيم الصناعات اليدوية والصغيرة والتي تعتمد على منتجات البيئة المحلية ومزيد من الاهتمام بالمرافق وتدعيم السياحة والاهتمام بمشاكل الصيادين والفلاحين في رشيد، حيث يرى العديد من أهالي رشيد أنها مدينة غير محظوظة، ونأمل أن يحالف الحظ رشيد في المستقبل حتى تستعيد دورها المهم القديم وتؤدي دورها سواء على مستوى محافظة البحيرة أو على مستوى الوطن كما كانت دائما، وربما تكون نقطة البداية في ذلك أن تصبح مدينة رشيد ذات وضعية خاصة على غرار مدينة الأقصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف