من الواضح أن عباس شومان وكيل مشيخة الأزهر، يعانى من خلط فى تعريفه لوظيفة مؤسسة الأزهر، ويعانى بنفس القدر، وربما أكثر، فى فهم مهام وظيفته هو كوكيل للمؤسسة، ويعانى كذلك من خلط شديد فى تعريفه لمفاهيم: الدولة، الحكومة، النظام الحاكم، فقد فوجئنا صباح أمس بتصريح لعباس فى جريدة الشرق الأوسط، يرفض فيه بشدة تحميل المملكة السعودية مسئولية حادث مشعر منى، وعباس فى تصريحه استخدم مسمى «المملكة» وليس «الحكومة»، والغريب فى الأمر أن عباس ارتدى ثوب المؤسسة فى تصريحه، وتحدث باسم الأزهر، قال:(حسب المنشور فى الجريدة): إن «السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين تبذل سنويا قصارى جهدها، لإنجاح موسم الحج، وأي اتهام لها بالتقصير كلام غير مقبول، ويتنافى مع الحقيقة والواقع الذى يراه ملايين الحجاج كل عام»، وأضاف وغير جائز توجيه الاتهام للسعودية». وأكد رفض مؤسسة الأزهر للاتهامات المتسرعة، وأضاف إن «الادعاء بالتقصير كلام غير مقبول ويتنافى مع الواقع الذي يراه الملايين في موسم الحج كل عام.. وغير جائز توجيه الاتهام للسعودية».
تصريح عباس هنا يضع أيدينا على بعض الملاحظات، سبق وذكرنا بعضها، أولا: أنه لا يخلط بين الحكومة والدولة والنظام الحاكم، حيث أعلن رفضه تحمل المملكة، ومسمى المملكة هنا يشمل الدولة السعودية بجميع أطيافها، وبالطبع الدولة بشعبها ونظامها وحكومتها لا يمكن تحميلها مسئولية الحادث لأنها غير مشاركة فى تنظيم الحج، بل إن المسئولية هنا تقع على عاتق الجهة المنظمة للحج، كانت الشرطة السعودية، أو هيئة الحج، أو هيئة بلدية مكة أو غيرها من الجهات، ولأن هذه الجهات تتبع الحكومة المفترض أن تتحمل الحكومة سياسياً المسئولية.
ثانيا: عباس قطع فى تصريحه باستحالة وقوع السعودية كدولة، أو مؤسسات أو حكومة فى التقصير بقوله: «الادعاء بالتقصير كلام غير مقبول ويتنافى مع الواقع» وفى صياغة أخرى قال: «وغير جائز توجيه الاتهام للسعودية»، وكلام عباس هنا يعنى أن الدولة السعودية (العاملون بالحكومة او بهيئات الدولة أو الشعب) مجموعة من الملائكة أو أنصاف آلهة، لا يخطئون ولا يعرفون السهو أو التقصير أو الإهمال أو غير ذلك من السلوكيات التى تعترى البشر، نظن أن عباس مطالب بأن يقدم لنا أدلة وشواهد تثبت هذه الادعاءات.
ثالثا: عباس تحدث باسم الأزهر وقال: إن مؤسسة الأزهر ترفض، وفى صياغة أخرى قال: إن الأزهر يساند»، وهو ما يثير سؤالاً بسيطاً ومباشراً: من أنت؟، ولماذا تتحدث باسم المؤسسة؟، وهل وظيفتك تؤهلك للحديث باسم المؤسسة؟، ما نعرفه وعلى يقين منه أن عباس موظف داخل مؤسسة الأزهر بدرجة وكيل مشيخة، وهى وظيفة حكومية يتقاضى نظيرها مرتبا شهريا، ومؤسسة الأزهر شخصية اعتبارية، ومن الصعب أن ترفض أو تقبل أو تشجب أو تساند، ربما عباس كان يقصد الحديث نيابة عن العاملين فى المؤسسة، فهم وحدهم القادرون على الرفض والقبول والمساندة، لكن على الأرجح فإن عباس غير مخول له أن يتحدث نيابة عن العاملين فى المؤسسة، وليس من حق العاملين بالمؤسسة جميعا الحديث باسم المؤسسة، لأنهم أشخاص طبيعيون والمؤسسة شخصية اعتبارية، لذا فالصياغة الصحيحة تكون: «نحن جميعاً أو بعض العاملين فى مؤسسة كذا: نرفض، نقبل، نشجب، نساند».
رابعا: ما نعرفه جميعا أن وظيفة مؤسسة الأزهر ليست من مهامها إعلان رأيها فى مسائل تتعلق بالسياسة أو الكوارث أو غيرها، وتصريح عباس عن حادث مشعر منى بالرفض والشجب والمساندة يخرج تماما عن وظيفة الأزهر، والمرجح أن للأزهر(مجازا) أن يتناول الحادث من خلال توقيت رمى الجمرات، قبل الزوال، ابتداء من منتصف الليل، وغير ذلك من الآراء التي تجتهد فى توقيت وكيفية تنفيذ المناسك.
أخير: لا أحد ينكر أبداً الجهد ولا الأموال التي تنفقها حكومات المملكة للتيسير على حجاج بيت الله الحرام ومسجد الرسول، ومن غير المقبول إنكاره، لكن لا يمكن أبدا أن نتجاهل تقصير الجهات المنظمة فى حادث مشعر منى.