ياسر عبد العزيز
حلوى للبيع فى القصر الجمهورى
كانت زيارة «بوتين» لمصر غاية فى الأهمية، ويبدو أنها جاءت فى الوقت المناسب لكى تعزز لدينا الأمل فى إمكانية تحقيق التقدم، بعد سلسلة من الخطوات المتعثرة.
لكن يبدو أن «الحلو لا يكتمل»، فقد استأثرت أخطاء بسيطة وقعت على هامش الزيارة بقدر كبير من الاهتمام، وألقت بظلال عليها وعلى النتائج المرجوة منها، وهى أخطاء عكست فى معظمها عنواناً عريضاً يخص طريقتنا فى أداء المهام، والعنوان هو «عدم الكفاءة».
فمن بين الموضوعات الأكثر قراءة على موقع «بى بى سى العربية» هذا الأسبوع موضوع بعنوان: «زيارة بوتين لمصر.. خطأ فى عزف النشيد الوطنى الروسى وحلوى للبيع فى القصر». إن زيارة بوتين المهمة، ومحادثاته مع السيسى، والاتفاقيات التى وقّعها البلدان، والتداعيات الاستراتيجية للتطور الكبير فى العلاقات المصرية- الروسية، كلها عوامل لم تحظ بذات الاهتمام الإعلامى الذى حظى به موضوعا «السلام الروسى» و«حلوى القصر» لدى جمهور عدد كبير من وسائل الإعلام.
قناة «روسيا اليوم» حرصت من جانبها على أن تشير إلى أن العازفين المخصصين لعزف السلام الجمهورى الروسى أخفقوا فى العزف بشكل صحيح، واضطرت المذيعة التى كشفت هذا الخطأ إلى السخرية من الطريقة التى تم بها العزف، كما انتقدت بعض وسائل الإعلام الروسية عدم تعليق بوتين على «هذه الإساءة».
أما الصديق العزيز والمذيع البارع عمرو عبدالحميد فقد أضاف إلى همومنا هماً جديداً، حين كشف عن الطريقة التى عامل بها مسئولو الرئاسة فى قصر القبة الصحفيين المصريين والروس الراغبين فى تغطية المؤتمر الصحفى للزعيمين. لقد ذكر «عمرو» أن هؤلاء الصحفيين انتظروا فى غرفة شبيهة بـ«البدروم» لساعات طويلة، من دون طعام أو شراب، قبل أن يأتى شاب لهم بصينية حلوى، ظنها بعض الصحفيين الروس من قبيل «الضيافة»، إلا أنه تم إبلاغهم بأنها للبيع، و«ثمن القطعة خمسة جنيهات».
لقد نقل موقع «دوت مصر» عمّن وصفه بأنه «مصدر بالرئاسة» قوله إن «سبب بيع الحلوى للصحفيين المصريين والروس هو إجراءات التقشف التى قررها الرئيس السيسى لتقليل العبء على ميزانية البلاد».
لو صح أن مصدراً برئاسة الجمهورية قال هذا الكلام بالفعل، ولو صح أن الرئاسة تعتقد أن «الجنيهات الخمسة التى سيتم جمعها من الصحفيين الروس والمصريين» ستساعد على نجاح سياسات التقشف، فإننا فى «بلاء عظيم».
لم تكن تلك هى كل القصص التى صاحبت هذه الزيارة المهمة ذات التداعيات الاستراتيجية والآثار البعيدة، لكن ثمة قصة ثالثة موحية فى ذلك الصدد، وهى قصة تداولتها وسائل إعلام عديدة أيضاً.
فقد أخطأت مذيعة التليفزيون المصرى، حسب ما نشرته «الوطن»، عند تعليقها على مراسم استقبال السيسى لبوتين فى قصر القبة، حيث ذكرت أن مصر وروسيا «شاركتا فى تأسيس حركة عدم الانحياز»، وهو خطأ كبير بكل تأكيد، بالنظر إلى أن حركة عدم الانحياز التى أسستها مصر مع دول مثل يوغوسلافيا السابقة والهند كانت قد قامت فى الأساس ضد الانحياز لأى من المعسكرين المهيمنين بعد الحرب العالمية الثانية، وأحد هذين المعسكرين كان بقيادة الاتحاد السوفييتى السابق، الذى ورثته روسيا الحالية.
فإذا كنا لا نستطيع أن نعزف السلام الروسى كما يجب فى وقت يُفترض فيه أن العازفين مدربون وأكفاء بما يكفى، ولا نقدر على استقبال الناس بلياقة وبما يراعى أبسط القواعد المعروفة، ولا نفهم ماذا تعنى عبارة «سياسات تقشف»، ولا ندرك أنها لا تعنى «جليطة» أو «بخلاً» بكل تأكيد، ولا نعرف كيف نعلق على حدث مهم فى بلدنا عبر التليفزيون، ولا نعرف كيف نختار من يقوم بهذه المهمة.. فنحن فى بلاء عظيم.
لقد هيمنت كارثة استاد الدفاع الجوى على أجواء الزيارة، وبددت كثيراً من الاهتمام اللائق بها، وهى كارثة يمكن أن يكون لها مائة سبب، لكن على رأس تلك الأسباب لن تجد سوى «عدم الكفاءة».
وبسبب «عدم الكفاءة» سيستمر النزيف.