عبد العظيم درويش
«ليه تقول الحق.. طالما ممكن تكذب؟!»
الكلمات التى تعلو السطور التالية هى أصدق تعبير عن أسلوب تعامل بعض مسئولينا -ولا أقول كل مسئولينا- معنا.. خاصة فيما يتعلق بالقضايا التى تهمنا أو تمس مصيرنا..!
هى مجرد لحظات قصيرة فور وقوع أى كارثة فى أى منطقة من العالم لتحصد العشرات أو المئات من الضحايا «عدا المصريين طبعاً».. انهيار أرضى أو زلزال مدمر.. حريق هائل أو عاصفة عاتية.. حرب أهلية أو انفجار مروع.. ليخرج علينا المسئول بعدها ودون أن يتأكد من أى شىء، ليزف إلينا بشرى عدم وجود مصريين من بين الضحايا وأن «الجالية المصرية» بخير..!! وكأننا، نحن المصريين، لسنا بشراً أو أننا من سلالة «سوبر مان» لا نتأثر بشىء، وأن غيرنا من شعوب العالم هم دائماً ما يكونون من بين الضحايا..!!.. فالمهم أن ينفى المسئول أولاً، ثم «يحلها ربنا بعدين»..!!.. لنفاجأ بعدها بلحظات أيضاً بوكالات الأنباء العالمية والفضائيات المختلفة تكشف لنا الحقيقة الصادمة.
خلال الأيام القليلة الماضية كانت هناك ثلاث كوارث: واحدة على أرض مصرية «كارثة السياح المكسيكيين فى الوادى الجديد»، واثنتان فى مكة المكرمة «حادث الرافعة فى الحرم المكى الشريف.. وكارثة التزاحم فى مشعر منى».. فى الكارثة الأولى ظللنا نحو 48 ساعة لا نعلم عدد الضحايا من المصريين.. وفى الاثنتين الأخريين أكد مسئولونا فور وقوعهما أنه لا يوجد من بين الضحايا مصريون، وأن جميع حجاجنا بخير، لنفاجأ بعدها بورود الأنباء الصحيحة، لتؤكد وجود «شهداء من أهلنا فى الكارثتين»، ليخرج علينا المسئول ليعلن بدم بارد عدد ضحايانا بعد أن كان هو نفسه يؤكد عدم وجودهم..!!
معرفة كامل الحقيقة هى أبسط حقوق المواطنة فى زمن تآكلت فيه كل الحواجز، ولم يعد هناك سر يمكن إخفاؤه.. غير أن هذه البديهة تغيب دائماً عن ذهن المسئولين، إذ يعتقدون أن ذلك يعد ضمانة لهم للبقاء فى مواقعهم!!
فى حادث سقوط الرافعة، خرج علينا المسئول ليؤكد عدم وجود ضحايا مصريين، فى حين كانت وكالات الأنباء والقنوات الفضائية تبث صوراً حية لموقع الكارثة، وتؤكد أن هناك مصريين قد استشهدوا.. أما فى الكارثة الثانية «التدافع فى منى»، فقد كان تصرف المسئول وهو هنا وزير الأوقاف، رئيس البعثة الرسمية، الدكتور محمد مختار جمعة، أكثر فجاجة..!!
فى البداية، حذر الدكتور جمعة رؤساء البعثات النوعية من التحدث لوسائل الإعلام، ويبدو أنه كان «يفتى» بأن التحدث مع هذه الوسائل يبطل الحج باعتباره أمراً حرمه الدين.. بعدها خرج علينا ليؤكد عدم وجود ضحايا من الحجاج المصريين «فالحادث يبعد عن أماكن إقامتهم» هكذا قال.. وبعدها بفترة زمنية عاد ليقول إن هناك بعض المصريين من بين المصابين، ولم ينس الوزير طبعاً أن يأتى بتبريرات لتصريحه هذا «فأعداد الحجاج المصريين كانت قليلة لبعد مسافة الحادث عن مقر وجودهم»، ثم دخل الوزير إلى مزاد لأعداد الضحايا والمصابين بدأ بـ30 مصاباً، بينهم اثنان حالتهما غير مستقرة، ثم أعلن وفاتهما.. وارتفع عدد الضحايا إلى 7 وفيات من بين الـ30 مصاباً، ثم وصل إلى 14 حالة وفاة مع زيادة عدد المصابين إلى 31 بزيادة مصاب، كما لو كان الحادث قد تكرر مرتين..! وفى نهاية اليوم ارتفع عدد الضحايا إلى 37 حالة وفاة.!!.. وبعدها بفترة قصيرة وصلت أعداد المتوفين من الحجاج المصريين إلى 55 حاجاً، ثم قفز رقم جديد فى ذلك المزاد يتعلق باعتبار 120 حاجاً فى عداد المفقودين «حتى كتابة هذه السطور»..!
حقيقة الأمر أن الوزير وتابعيه كان كل همهم هو النفى دون التأكد، وأعتقد أنه لو كان الوزير قد أعلن -فى بداية الحادث أن الأجهزة المعنية لا تزال تبحث عما إذا كان هناك مصريون من بين المصابين أو الضحايا أم لا- كان أكرم لهم بدلاً من هذا الموقف المخجل..!
عموماً يبدو أن الوزير، إما أنه مقتنع بأنه بتصرفه هذا قد أدى كل ما عليه وتحمل كامل مسئوليته كوزير، وكرئيس للبعثة الرسمية للحج وهنا تصبح كارثة، وإما أنه بنفيه وجود مصريين من بين الضحايا «على أن يحلّها الحلّال» بعد ذلك ظناً من جانبه -وكل الظن إثم- أن ذاكرة الرأى العام قد أصابها «ألزهايمر»، وهنا فالكارثة أعظم إذ إن ذاكرة الرأى العام «فولاذية»، وليست «منخلاً» تتساقط منه الأحداث وتصريحات المسئولين..!!
ويبقى السؤال: إلى متى ستظل ثقافة «ليه تقول الحق طالما ممكن تكذب» تحكم تصرفات المسئولين معنا لنعرف الحقيقة؟!..
سيادة الوزير.. أعتقد أنك «هتوحشنا» وأن علينا أن نتحمل بعادك عنا وما سنعانيه من أزمة حادة فى توافر «القلل القناوى»..!!