الوطن
سهير جودة
العرب عدو العرب
«استيقظوا أو موتوا».. صرخة أطلقها وحيد حامد منذ حوالى 20 عاماً فى مقال شهير كان بمثابة إنذار مهم للمجتمع، وللأسف لم يستيقظ أحد، ومر جرس الإنذار ككثير غيره من إجراس الإنذار صاغها وأطلقها كبار المفكرين التنويريين فى مصر والدول العربية.

مصر فى التسعينات تعرضت لموجة إرهابية قوية، لكنها لا تقارن من حيث القوة والنطاق الجغرافى بالحرب الإرهابية الدولية على مصر والعالم العربى الآن. إنها حقاً حرب خبيثة، ولأننا لم نستيقظ فقد دخلت مصر والدول العربية غيبوبة الهوس الدينى وتقاسمت عصابة إرهابية دولية مأجورة الحرب على المنطقة ونهشها بعد نجاح ما دبرت له من مؤامرات استهدفت وضع الفاشية الدينية على رأس أنظمة الحكم فى تونس ومصر وليبيا ونجحت مصر فى إزالة هذا الورم الخبيث وأعلنت العصيان وكانت النتيجة ضربات إرهابية معلنة وسرية وتحاول هذه المؤامرات فى سوريا واليمن والعراق ولبنان ولن تتوقف. إنها حرب عالمية اشتعلت واستغلت الدين، وبصرف النظر عن قوة نجاح هذه المؤامرات أو إخفاقها أحياناً فما كان لهذه المؤامرات أن تنجح وما كان لها أن تستمر سوى بموت الضمير وضياع العقل العربى وما يفعله العرب ضد بعضهم البعض خير دليل على هذا الضياع فقد صنع الضعف بأيديهم وليس فقط ما يحاك ضدهم. العرب عدو العرب قبل باقى الأعداء الدائمين والمتغيرين، وأحياناً نحتاج إلى تجديد التعريف بما هو معروف بالضرورة والتأكيد على بديهيات ننكرها أو نتجاهلها فتدخل حيز النسيان وإذا جاءت مناسبة وبعثت فيها الحياة مرة أخرى تبعث ومعها شيخوخة وزهايمر وأمراض الموت. ومن هذه البديهيات أن العرب عدو العرب الأول والغرب بكل أشكاله وألوانه وصهيونيته وحساباته وما يصنعون من شياطين للقضاء على أمة العرب لم يكونوا فى موقع الفاعل والقادر إلا لأننا نقدم لهم كل أنواع الدعم وكل التسهيلات فنحن بيئة خصبة تقدم للأعداء كل الأجواء الصالحة لزراعة التطرف والإرهاب والطائفية ومن ثم الضعف والتقسيم.

فى محاضرة له فى الجامعة اللبنانية قال النائب البريطانى المخضرم جورج جالاوى إنه على مدى أربعين عاماً يحاول إيصال رسالة للجمهور العربى لكنها لا تصل.

«الشىء الوحيد الذى يمنع العرب من التوحد هو مواقف العرب أنفسهم، الولايات المتحدة لا تستطيع السيطرة والوقوف أمام وحدة العرب إن أرادوا، والعرب وحدهم هم من يقف فى وجه وحدتهم بأنفسهم.

وما دام الناس جالسين على المقاهى مع نرجيلاتهم ملقين اللوم على الخواجة الخارجى مرة والولايات المتحدة مرة وإسرائيل مرة وبريطانيا مرة وإيران مرة وتركيا مرة؛ فإنكم ستبقون دوماً مقسمين، وما دمتم مقسمين فستكونون ضعفاء.. وما دمتم ضعفاء سيسرقون ثروتكم.

إنه ليس علم صواريخ ليس عليكم أن تكونوا «إينشتين» لتفهموا المعادلة. الوحدة قوة إن كان بإمكانكم التوقف عن التفكير كسنة أو شيعة، يسار أو يمين، مغاربة أم شرق أم خليج.. إن كان بإمكانكم التوقف عن التفكير بهذه الطريقة فسوف تتوحدون

أنتم 350 مليون إنسان تتحدثون لغة واحدة وتعبدون إلهاً واحداً فى مقابل أوروبا التى تتكلم مائة وخمسين لغة.. تخيلوا قوتكم إذا اجتمعتم!!

ولكن ما دمتم جاهزين للجلوس ولوم الآخرين فإنكم لن تتوحدوا أبدا، وما دمتم غير موحدين فإنكم ستقسمون، وما دمتم مقسمين فإنهم سيسرقون أشياءكم ولن تكونوا قوة.. إننى عضو فى برلمان به 56 عضواً لا يعرفون الفرق بين السنة والشيعة ولا يأبهون إن كنت شيعياً أو سنياً، أن كنت تصلى أو تصوم أو تحج، لا يأبهون للإسلام ولا للدين، إنهم مهتمون فقط بتقسيمكم، إنهم مهتمون فى جعلكم تتقاتلون وما دمتم تتقاتلون فإنكم لا تحاربونهم ولا تحاربون إسرائيل وتسمحون لهم بسرقة نفطكم وغازكم ومياهكم.. أنتم من تسمحون لهم بسرقتكم».

«جالاوى» قال الحقيقة؛ فلم يكن للعرب قوة موحدة إلا فى لحظات نادرة أو مواقف لحظية انتهت بانتهاء الموقف وكأن العرب يعشقون أن يكونوا أسرى لهزائمهم وكأن الوهن حالة إبداع عربية مزمنة، لم نتخلص من الطائفية فمن النزعة القبلية فى الجاهلية إلى النزعة العقائدية الآن، إننا نمنح الأعداء ضالتنا وضعفنا واستسلامنا فنسلمهم سلاح هزيمتنا، ونبقى نموت عاراً أو ذلاً أو ذبحاً ليتجاوز الواقع مقولة نزار قبانى: «قبائل أكلت قبائل.. وثعالب أكلت ثعالب»،

فنحن سواء كنا قبائل أو ثعالب أصبحنا وليمة أكلتها ضباع الإرهاب والمخابرات الدولية وقوى العالم تتشارك الرقص الدموى على جثة المنطقة ومعها الآن إيران التى تريد الصعود كقوة كبرى على حساب العرب خصمها التقليدى وكالعادة نمنح الجميع الفرصة للإجادة والتفوق علينا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف