الوطن
د. محمود خليل
السر فى الشيخ «عبدالحليم» (4)
تجاوز الشيخ عبدالحليم محمود كل الحدود، وتخطى كل الخطوط، حين أتى بالقاصمة، وهو يتحدث عن أبى الحسن الشاذلى، فذكر أن القطب الصوفى كلم الله تعالى تكليماً. يقول الدكتور: «قرأ الشيخ على جبل زغوان سورة الأنعام إلى أن بلغ إلى قوله تعالى: (وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا) أصابه حال عظيم، وجعل يكررها ويتحرك، فكلما مال إلى جهة مال الجبل نحوها. وما كانت حياته على الجبل إلا على نباتات الأرض وأعشابها. وعلى هذا الجبل ارتقى منازل، وتخطّى مراتب حيث نبعت له عين تجرى بماء عذب، ثم بدأت الملائكة تحفّ بأبى الحسن، بعضها يسأله فيجيبه، وبعضها يسير معه، ثم تأتيه أرواح الأولياء زرافات ووحداناً تحفّ بأبى الحسن وتتبرك به، وبعد تجاوز هذه المراتب كلها التى أهّلته لأن يخاطب الرب دون واسطة ولا ملك، كلّمه الرب تبارك وتعالى، -حسب ما ذكر ذلك الدكتور- فقيل له: «يا على، اهبط إلى الناس ينتفعوا بك.. فقلت (أى: أبوالحسن الشاذلى): يا رب أقلنى من الناس فلا طاقة لى بمخاطبتهم، فقيل لى: انزل فقد أصحبناك السلامة، ودفعنا عنك الملامة، فقلت: تكلنى إلى الناس آكل من دُريهماتهم.

فقيل لى: أنفق علىّ، وأنا الملى، إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب».

هذا تجاوز لكل الحدود، وكسر لكل القيود، وكلام يرقى إلى حد التخريف، لأن القرآن الكريم لم يحكِ أن الله تعالى كلم بشراً، سوى نبيه «موسى»، وفى حدود ما أعلمه من كتاب الله الكريم لم يكلم الله تعالى النبى «محمد» نفسه، صلى الله عليه وسلم، لكن الشيخ عبدالحليم محمود يرى أن «الشاذلى» أجل وأكرم. والشىء الآخر العجيب أن الشيخ عبدالحليم محمود لم يجد مندوحة فى أن يتمتع أبوالحسن الشاذلى بأطايب الدنيا، وهو الصوفى الزاهد، فيذكر أنه كان يلبس الفاخر من الثياب، ويمتطى الفاره من الدواب، ويتخذ الخيل الجياد. ويبدو أن هذا الدرس تعلمه كل الملهمين الذين ملأوا حياة المصريين منذ السبعينات وحتى الآن، فرغم إصرارهم على أنهم محسوبون على الله، فإن ذلك لم يصرفهم عن حسابات البنوك، وامتطاء أفخم السيارات، والغرق فى ترف الحياة المخملية، وليس فى مقدور أحد أن يعتب عليهم ذلك، أو يقول لهم: من أين لكم هذا؟. فالإمام الأكبر نفسه مر على ما ذكره من معلومات حول الحياة المترفة للصوفى الزاهد أبى الحسن الشاذلى، ولم يخطر بباله أن يسأل: من أين له هذا؟

ولعلك تعلم ولع الغالب بالمغلوب، وإعجاب الضعيف بالقوى، وتماهى الفقير بالمترف الغنى الذى يسير بأذيال وفى أذيال السلطة، أياً كان نوع هذه السلطة، إن الغُلب والولع والتماهى قد يصل بالبسطاء إلى درجة تقديس الكبار الأقوياء المحسوبين على الله، والتماس البركة منهم، وقصدهم والحج إليهم، وتمنى العطاء والشفاعة منهم. وذلك ما يفعلونه بالضبط مع الزاهد المترف أبى الحسن الشاذلى الذى بلغ مرتبة الحديث إلى الله تعالى، كما قرر الشيخ عبدالحليم محمود، إمام مصر الأكبر، خلال فترة السبعينات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف