المساء
محمد جبريل
حسن فتح الباب
ظل حسن فتح الباب - حتي هزمه المرض والشيخوخة - مثلاً للمقاوم الذي يدافع عن أفكاره ومبادئه. دون أن تشغله تضحيات دفعته - أعواماً - إلي الفرار بما يؤمن به. والعمل أستاذاً للقانون الجنائي في جامعة وهران بالجزائر.
التطورات السياسية القاسية لم ترغم حسن فتح الباب علي المهادنة ولا تبديل المسار. وإن خاض كل معاركه بلغة الفارس الذي لا يميل إلي قضايا جانبية. أو يحرص علي الأسهل. فينال من معارضيه بما لا يليق. وعندما أدرك عدم تكافؤ المعركة. فضل أن يحتفظ بمبادئه وصفاء نفسه. وسافر إلي مدينة عربية واصل فيها التعبير عن الهموم نفسها التي كانت نبضاً لكل أشعاره منذ عبر - في قصائده الباكرة - عن هوية عربية. تؤمن بحضارتها وتاريخها. وتدافع عن حاضرها ومستقبلها. دون زعيق ولا إنشائية. انما هي تصدر عن نفس مواطن عربي. وتعبر عن الملايين من خور فكان أولي المدن العربية التي تشرق عليها الشمس. إلي نواكشوط آخر المدن العربية التي تغرب فيها الشمس. وإن اتجهت في كل سطر شعري إلي "الإنسان" حيث يقيم. بصرف النظر عن الهوية.
الشعر المهموس الذي دعا إليه أستاذنا محمد مندور هو التعبير الفني لفتح الباب في غالبية قصائده. ربما غلبته الحماسة. لكنه لا يجاوز الانفعال الذي واجه به المشاعل في التاريخ الإنساني. ما بدا أنه أقسي من أن يحتمل. هل يواجه الاستعمار بلغة متصالحة؟ هل يعتصم بصمت الفروسية عن الخيانة وألاعيب الحواة؟ هل يخضع للابتزاز والأصوات العالية؟!
دافع حسن فتح الباب عن حق مصر في مواردها. وفي خلو أرضها من أثر لأجنبي. ودافع عن عروبة الجزائر في احتدام معاركها ضد الاحتلال الفرنسي. وشارك بإبداعه في قضايا الوطن العربي. ذكرنا بإبداعات لوركا دفاعاً عن حرية أسبانيا. وإبداعات نيرودا المعبرة عن طموحات شعوب أمريكا اللاتينية. وقصائد أراجون المتغزلة في عيون إلزا. والتي لم تكن سوي وطنه فرنسا حين احتله النازي. إلي جانب ما أبدعه كبار شعراء العربية: صلاح عبدالصبور ومحمود درويش وتوفيق زياد وأمل دنقل وسميح القاسم وغيرهم.
وسواء عبرت قصائد حسن فتح الباب بالهمس أو بنقيضه. فإني أذكر أنه لم يخض يوماً معركة لها رائحة الغرض. ولا لجأ إلي مفردات ترفضها لغة الفن. وعندما أوهم نفسه - وأوهمنا - أنه سيصفي حسابه مع بعض المحسوبين علي حياتنا الثقافية. واختار لما كتبه اسم "أسمي الأشياء بأسمائها" فإن كلماته لم تحاول النيل الشخصي من الصغار الذين يعانون خفوت الموهبة وانعدامها. أفلحوا بالشللية وإلحاح الزيارات الشخصية وشراء الذمم أن يحصلوا علي جوائز الدولة الكبري. ليظل حسن فتح الباب معتصماً بفروسيته. لا يحاول السير في برك العطن حتي لا تتلوث شاعريته. ولا نفسه الرقيقة!
رحمه الله!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف