السيد العزاوى
الشفافية والمحاسبة من قيم الإسلام الخالدة
الإسلام سبق كل التشريعات العالمية وأهل الحضارات القديمة والمعاصرة في وضع ضوابط ومباديء لضبط ايقاع الحياة اليومية في مختلف المجالات الحياتية والمعيشية لم يترك هذا الدين الحنيف صغيرة ولا كبيرة دون أن يضع القواعد الحاكمة لها لكي تمضي الحياة علي هذا الكوكب الأرضي دون عوائق أو معوقات أيا كانت وسد جميع الطرق أمام كل من تسوِّل له نفسه بأي صورة من الصور اختراق هذه القواعد. ولعل من أجمل وأفضل تلك الضوابط ما وضعه الإسلام لكل إنسان كي يتولي حساب نفسه وقد تطرقت تلك القواعد الصارمة حتي في العلاقة بين الرجل وزوجته وكذلك بين الوالدين والأبناء.
ولعل في مقدمة تلك القيم الخالدة الشفافية والعدل بين سائر البشر دون نظر إلي اللون أن الجنس أو الدين أو غني أو فقر الكل في ميزان العدل سواء وقد قدم رسول الله سيدنا محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم ـ نماذج من هذه القواعد في تطبيق علي أرض الواقع بكل حسم وحزم فها هو ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد أوفد رجلا لجمع الزكاة وحين عاد من هذه المهمة التي كلفه بها رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إذا من يقول وهو يسلم مجموع الحصيلة التي عاد بها : إن هذا لكم يقصد بيت مال المسلمين "وهذا لي خاص بنفسي ولا شأن لكم به لأنه أهدي لي" بعد سماع سيد الخلق لهذا الكلام العجيب والغريب أكد رفضه لهذا الأسلوب وذلك الخروج علي القيم الخالدة للدين الحنيف وأمر بسحب كل ما حصل عليه هذا الرجل وبكل حزم قال صلي الله عليه وسلم : "هلا جلست في بيت ابيك حتي يهدي اليك" ان اختراق كل القواعد مرفوض جملة وتفصيلا ولا مكان لأهل الضلال وافساد الحياة بتلك الوسائل لتحقيق مكاسب علي حساب السلطة أو غير ذلك من الأساليب والحيل الشيطانية.
في ظلال تلك القيم الخالدة مضت المجتمعات الاسلامية في حياتها تضرب القدوة والمثل للآخرين وخضع الجميع للحساب والمساءلة مهما يكن حجمه أو وزنه بين الناس حتي قادة الجيوش الذين كان يتم تكليفهم بقيادة الجيوش قد خضعوا للمساءلة والمحاسبة في أدق تصرفاتهم فها هو اسامة بن زيد.. حبيب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد خضع لتلك القواعد وذلك عندما أخذ يحكي لرسول الله عن ذلك الرجل الذي كان يطارده فنطق بالشهادتين لكن أسامة لم يلتفت لذلك واعتبر أن الرجل لجأ إلي الخديعة للافلات من قبضته فتم قتله لكن الرسول رفض وقال قولته المشهورة : "هلا شققت علي قلبه يا أسامة" وظل يرددها حتي تمني أسامة أن يتوقف عن هذا الحديث انها ضوابط المحاسبة والشفافية ومن هذه النماذج كثير فقد كانت المدرسة النبوية قدوة وأسوة حسنة في تطبيق هذه الضوابط علي أرض الواقع.
حقيقة كانت هذه القواعد والقيم نصب أعين الخلفاء الراشدين والولاة العادلين من أبناء الأمة الاسلامية علي مدي التاريخ وقد اشتهر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بتطبيق ضوابط المحاسبة والشفافية ومن ذلك علي سبيل المثال حين اسند ولاية حمص لسعيد بن عمرو الجمحي وقد اشتكي منه أهل هذا البلد فاستدعاه عمر وجرت المواجهة بين سعيد وأهل حمص وطالبه بالرد علي المشاكل التي التي أثاروها ومنها أنه لا يكلم أحداً ليلا؟ فأجاب : بأنه حدد النهار لأهل حمص والليل لعبادة الرحمن ومنها أنه يخرج متأخراً بالنهار. فأجاب أن يتولي اعداد طعامه ثم يخرج. ومنها أنه لا يظهر يوما في الأسبوع. فأجاب بأنه يتولي اصلاح وتنظيف ثيابه بعد هذه المواجهة الشفافة والصريحة بدا السرور علي وجه عمر رضي الله عنه وقال الحمد لله : الذي لم يخب ظني فيك. يقصد سعيد بن عمرو. تلك هي قواعد الشفافية والمحاسبة ليتنا نبادر ونبذل أقصي جهد لتطبيقها في حياتنا بكل حزم وعزم وبسرعة وكشف ملابسات كل القضايا التي تدور فصولها علي أرض الواقع.. ان التطبيق الفاعل والسريع هو الاسلوب الأمثل إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو القي السمع وهو شهيد.