الأهرام
عماد عبد الراضى
من قتل حُجاجنا فى منى؟
عشنا جميعاً حالة من الحزن أفسدت علينا فرحة عيد الأضحى، فقد استقبنا العيد بخبر وفاة حجاج بيت الله الحرام فى حادث التدافع بمخيمات منى، وكانت مشاهد الدماء والجثث والأشلاء مرعبة، وتزايد أعداد الوفيات والمفقودين زادنا غماً على غم.
ولكن.. من المسئول عن هذا الحادث؟
هل هو الإهمال الذى يقف وراء كل كارثة عندنا فى مصر؟
هل هو تقصير من القائمين على رعاية مناسك الحج بالمملكة السعودية؟
أم هى نظرية المؤامرة؟
ولكى أوضح الأمر بشكل كامل، أعود إلى تجربتى الشخصية مع رمى الجمرات، فعندما أديت فريض الحج قبل عدة سنوات رأيت بنفسى كيف تسير الأمور فى تنظيم رمى الجمرات، فقبل السفر اجتمع بنا مندوب من الأزهر، وحذرنا من رمى الجمرات بعد الزوال مباشرة بسبب التدافع والزحام، واستعرض أقوال أهل العلم فى إباحة الرمى فى أوقات أخرى، ووقت ما بعد الزوال معناه بعد زوال الشمس أي بعد دخول وقت صلاة الظهر، والرمى فى هذا التوقيت هو رأى أكثر أهل العلم.
وصممت أنا ورفاقى على رمى الجمرات بعد وقت الزوال مباشرة، والمدهش أننا رمينا فى أيام التشريق الثلاثة فى ذلك التوقيت دون أى صعوبة تُذكر، وذلك بسبب النظام شديد الدقة والصرامة المتبع فى الذهاب لجسر الجمرات، فأولا: الجسر أصبح متعدد الأدوار، وزادت مساحة الشاخص، ولا أبالغ لو قلت إن مجموع المساحة المحددة للرمى فى أدوار الجسر قد يتعدى مائة ضعف المساحة المتاحة قبل إنشائه، ثانيا: فرضت السلطات السعودية نظاماً غاية فى الصرامة، فكل بعثة لها طريق محدد للذهاب إلى الجسر، وطريق محدد للعودة، ولا يُسمح مطلقاً بالسير عكس الاتجاه، أو بحمل أية أمتعة أو حقائب مهما كانت صغيرة الحجم، ووصل الأمر أنك لو سرت فى طريق رمى الجمرات لعدة أمتار وفكرت فى العودة لأى سبب، فستجد فوق رأسك جندياً سعودياً من آلاف الجنود المنتشرين فى الطريق يأمرك بالالتزام بالاتجاه الصحيح.
ولكل ما سبق فقد تحولت عملية رمى الجمرات بعد وقت الزوال مباشرة -والتى حذرونا وأدخلوا الرعب فى قلوبنا منها- إلى نزهة ممتعة، نمارسها يوميا بلا تعب أو مشقة.
وقد مرَّ بذهنى كل ما ذكرته وأنا أتابع أخبار الحادث، وأيقنت فى لحظة واحدة أن الشئ الوحيد الذى قد يتسبب فى هذه الكارثة هو أن يكون قد حدث تدافع عكسى من بعض الحجاج، وزاد من يقينى أن الحادث وقع يوم النحر، أى أول أيام عيد الأضحى، وهو يوم مناسب جداً لتنفيذ المؤامرة، نظراً لأن اهتمام الأمن السعودى يومها يكون منصباً –إلى حد كبير- على تنظيم عملية تفويج الحجاج من عرفات ومزدلفة إلى مخيمات منى، عكس أيام التشريق الثلاثة حيث يكون الاهتمام كله فى تنظيم عملية رمى الجمرات.
وبعد أيام رأيت فيلماً التُقط لمئات الحجاج الإيرانيين وهم يسيرون عكس اتجاه طريق رمى الجمرات، وكانوا يغنون ويرقصون وينادون "يا على"، وتواترت الأنباء عن تسبب هؤلاء الحجاج فى الحادث، ثم توالت التهديدات الإيرانية بعمل عسكرى ضد السعودية رداً على هذه الكارثة.
ملحوظة أخيرة:
قد أكون مخطئاً فى كل ما سبق، ولكنى لم ولن أخفى احترامى الكامل للجهود التى تبذلها المملكة السعودية فى تنظيم عمليتى الحج والعمرة، فقد رأيت بنفسى على مدى أكثر من عشر سنوات الجهود المبذولة، والنظام المفروض لتأمين الحجاج والمعتمرين، والذى يتم تنفيذه بدقة وصرامة لم أرَ لهما مثيلاً فى حياتى كلها.
وفى النهاية.. رحم الله حجاجنا الذين ماتوا فى أفضل بقاع الأرض مرتدين ملابس الإحرام التى أدعوا الله أن يُبعثوا بها يوم القيامة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف