الدستور
حسنى عطية سبالة
المأساة .... والملهاة «١- ٢»
لم يعجبنى تناول الغالبية فى وسائل الإعلام بجميع أشكالها للمأساة التى وقعت مساء الأحد الماضى أمام استاد الدفاع الجوى، والتى راح ضحيتها تسعة عشر من شبابنا الأغر الذين نضرع إلى العلى القدير أن يتغمدهم بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان. والغريب.
بل المريب أن أياً ممن تناول هذه المأساة لم يتطرق إلى جذور الأزمة وبذورها التى أفرزت المأساة ولا إلى أسباب ودوافع حدوثها الأصلية ولا كيفية إدارتها ومواجهتها، فإدارة الأزمات علم له أصوله وقواعده، والأزمة موقف ينتج عن تغيرات طارئة تخرج عن إطار العمل المعتاد، وتتضمن بطبيعتها قدراً من الخطورة والتهديد وضيق الوقت ويترتب عليها سيادة حالة من الرعب لما يصاحبها من مجهول، ودائماً لا تأتى فرادى وإنما غالباً ما تكون أشبه بقطع الدومينو التى ما إن سقطت إحداها تهاوت باقى القطع على التوالى، الأمر الذى يستلزم تدخلاً فورياً حاسماً.
وتكمن هذه الأزمة المتعاقبة أو المأساة - من وجهة نظرى المتواضعة - فى هذا الجيل من شبابنا الذى استمرأ التمرد والعصيان... بل الطغيان.... هذا الجيل الذى ظن أنه فى الحياة حر من قيم المجتمع وسلوكه ونظامه وتقاليده فخرج عليها، وحسب نفسه أنه بالغ فى المتعة بلذات العيش الحظ الأوفى أياً كانت السبل... جيل فتنه هواه وأغوته دنياه وملذاته... قطع أوصاله وهان على نفسه وعلى غيره... يعيش فى بدعة... بل قل فى ضلالة ... سبق أن قلت عنه والآن أستطيع أن أؤكد أنه يشبه النبات المتسلق على جدار... فإذا ما هوى الجدار مال النبات حتى وطئ الأرض وتحلل واندثر تذروه الرياح.... فهكذا هو هذا الجيل أماته جفاف المثل والقيم والمبادئ فوطئت هاماته الأرض وصار ذرات من تراب ما لبث أن علاها التيار فأصبح وحلاً وطيناً.... وتبلغ المأساة الأخيرة - التى كنت أحد شهود العيان لها - ذروتها فى استمراء التجرؤ على الدولة والخروج على نظامها وقواعدها... فقد علمت وأنا فى طريقى لاستاد الدفاع الجوى وأثناء وجودى أمام بواباته من المئات بل الآلاف من الشباب الذى توافد على المباراة وكان وقوداً لما حدث أنه لا يحمل تذاكر للدخول ولكنه ماض فى طريقه وسيدخل بالقوة أيا كانت العواقب... وبالفعل اندفعت الآلاف منه بهمجية تنفيذاً لما خطط ودبر محاولاً فرض القوة والغلبة على رجال الشرطة للدخول بغير حق، فرفض رجال الشرطة فى بداية الأمر دخولهم دون تذاكر، وما إن أحس قادة الشرطة بوقوع كارثة محققة وافقوا على دخول الجماهير دون تذاكر بشرط التفتيش، ولكن الجماهير رفضت التفتيش لإحساسها بالانتصار على قوات الشرطة، وبادرت هذه الجماهير بإلقاء الحجارة والشماريخ على القوات وقاموا بإحراق سيارتين للشرطة التى لم تجد بداً من المواجهة بالهروات وقنابل الغاز للتفريق، فاندفعت الجماهير مرة أخرى للجرى خلفاً وحدثت المأساة التى صنعها ولع التبطل وغواية الاستعظام ومحاولة الخروج على النظام وفرض الهمجية بالقوة.... هذا ما كنت شاهداً عليه بكل حق... فيا أيها الشباب أما لهذا الداء اللعين فى نفوسكم من دواء .... أما لهذا الظلام الذى ران على قلوبكم من نور يجليه.... أما لهذه الخصومة المقيتة مع مجتمعكم من هوادة أو نصفة.... أما لهذا البحر الزاخر بالكراهية والحقد والغل والغضب على كل شىء من آخر .... أفيقوا واتقوا الله فى دينكم ودنياكم .... فليس هذا هو رد صنيع الأوطان فى أبنائها.... ويا أولى الأمر - من آباء وأمهات ومسئولين وأرباب فكر ورأى مستنير - أفهموهم واجبهم وأخبروهم أن الوطن بمنزلة العرض والشرف للإنسان، وأنزلوهم على القانون ونظام الجماعة، وأروهم أن من يفعل سوءًا يجز به وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله .... إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وللحديث بقية فى الغد إن شاء الله.
■ محام
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف