لا أعرف على وجه التحديد سبب تسفير وزير الصحة إلى المملكة العربية السعودية بعد أسبوع من وفاة العشرات من المصريين دهسا فى مشعر منى؟، هل تذكرت الحكومة فجأة الحادث فأوفدت وزير الصحة؟، هل ثبت للحكومة فشل وزير الأوقاف فى إدارة الأزمة؟، هل كانوا ينتظرون موافقة الرئيس؟.
للأسف الشديد حكومة شريف إسماعيل أثبتت بالدليل القاطع أنها مجرد مكتب سكرتارية لرئاسة الجمهورية، فقد سقطت فى أول اختبار لها، عندما وقع الحادث توقعنا قيام الحكومة بتشكيل لجنة برئاسة أحد الوزراء الذين نثق فى قدراتهم الذهنية، وتوقعنا كذلك أن تقوم بتشكيل فريق طبى متخصص فى حالات الكوارث: أساتذة عظام، مخ وأعصاب، أشعة، جهاز تنفسى، أساتذة فى التحاليل، وأساتذة فى الطب الشرعى، إضافة إلى بعض الشباب القادر على التحرك والتنقل بين المستشفيات والمراكز الصحية، توقعنا تكليف بعض الشباب المتخصص بعمل قاعدة بيانات للحجاج المصريين: الصور، السن، المحمول، محمول أسرته، الجهة التى سافر تبعها، الفنادق التى نزل بها، الخيام التى وزع عليها، البصمات الخاصة به...
وتوقعنا أن ينتقل هذا الفريق فور وقوع الحادث، وعلى أقصى تقدير مساء نفس اليوم، يقوم الأطباء بفحص الحالات، ويأخذ الشباب بصمات وصور للمتوفين وإرسالها لزملائهم لفحصها ومقارنتها بالمادة المتوفرة فى قاعدة البيانات، وتوقعنا كذلك كتابة تقرير مفصل عن حالة المصاب والمتوفى يتم تخزينه فى قاعدة البيانات.
للأسف حكومة السلحفاة لم تتحرك، وتركت وزير الأوقاف الفاشل يدير الأزمة بثقافته وخبرته المحدودة، فى الوقت الذى أوفدت فيه حكومات أخرى سفراء ووزراء إلى مكة لمتابعة الحادث عن كثب، وقد نقلت لنا وكالات الأنباء أخبار تحركات بعض البلدان، فى الوقت الذى كان يدير فيه وزير الأوقاف الأزمة من جناحه الفاخر فى فندق الهيلتون(رقم 1727)، والذى قدرت تكلفته يوميا بعشرين ألف جنيه، بخلاف نفقة حج أعضاء مكتبه ومجموعة الحراسة.
المؤلم فى كارثة مشعر منى ليس فقط إهمال وتقصير الحكومة، بل فى البيانات والمقالات والتصريحات التي صدرت من بعض الكتاب والنخب المصرية، والتى حملت فيها الحجاج مسئولية قتل أنفسهم، وأيضا قام بعضهم بترديد إشاعات تتهم دولة إيران بتدبير الحادث، وكأن الحكومة الإيرانية لخلافات سياسية مع المملكة توصى حجاجها بقتل أنفسهم دهسا تحت الأقدام.
المصريون اكتشفوا فى لحظة أنهم بدون حكومة وبدون سند إعلامى أو نخبوى، الجميع تخلوا عنه، وتركوه يواجه الموت والإصابة بمفرده، ليس هذا فحسب بل أنهم حملوه كذلك مسئولية الحادث، والمضحك أن بعض هؤلاء النخب طالبوا حكومة السلحفاة بتعليم المصريين آداب وأخلاق الزحام، وبعضهم طالب بتجديد فقه رمى الجمرات، وذلك لكي لا تتهم الشرطة السعودية أو الجهة المنظمة بالتقصير.
لا أحد ينكر أبدا الجهود والأموال التى تنفقها المملكة على المشروعات التى تخدم زوار بيت الله ومسجد الرسول، ولا أحد ينكر كذلك الجهد الذى قامت وتقوم به مؤسساتها لمواجهة الكارثة، لكن كل هذا لا يمنع أبدا تحميل الشرطة السعودية مسئولية الحادث، ولا يمنعنا كذلك من القول: إن الحادث وقع بسبب إهمال الجهات المنظمة: الشرطة، وزارة الحج، أو غيرهما، حتى مع وجود فرضية اتهام إيران وحجاجها، فالمسئولية تقع على المنظم الذى سمح لآخرين بالعبث والتآمر.
لهذا نطالب حكومة المملكة بتحمل المسئولية، وتعويض المصابين وأسر المتوفين.