مصطفى شفيق
التوظيف السياسى لحادث التدافع فى منى إساءة للإسلام... والمسلمين
أولى بإيران والدول الإسلامية أن تطالب بتدويل القدس ... فإسرائيل تسير نحو هدم الأقصى بخطي ثابتة
ردود الفعل الناتجة عن حادث التدافع فى منى مسيئة .... والإساءة فيها للإسلام والمسلمين ... وأشد ما يحزنك ويحزننى أن الإساءة جاءت من المسلمين ... فإيران وإن اختلفنا معها فى التفاصيل دولة إسلامية ... ووجود عدد من حجاجها بين الضحايا والمفقودين يؤكد أن الخلاف مع المذهب الشيعى ليس فى أصل العقيدة... لكنه فى التفاصيل ... فقد جاءوا ضمن الملايين الثلاثة لأداء الشعائر ... مات منهم من مات ... ونجا من نجا ... وما طال الحجاج الإيرانيين ـ وغير الإرانيين ـ من ضرر بليغ ...طال المسلمين جميعا من أقصى الأرض إلى أدناها ... فالضحايا من عدة دول ... من إيران ... ومصر ... والمغرب ... والكاميرون ... والهند... والصومال ... وباكستان ... والسنغال ... وتنزانيا... والجزائر... واندونيسيا ... وكينيا ... وهولندا ... وبوروندي ... ودول أخرى غير إسلامية فى آسيا وأمريكا والذين قضوا نحبهم جزء من الأمة الإسلامية ... يمثلون قوة بشرية ... وربما كان بينهم من العقول من يستطيع أن يقدم للأمة ما يأخذ بيدها بعيدا عن التخلف الذى نغرق جميعا فيه ... صحيح أن الكارثة وقعت داخل الأراضى السعودية .... إلا أن اتهام المملكة العربية السعودية بالتقصير فى معالجة المصيبة أمر يحمل تجاوزا للأعراف الدولية ... وعادة الدول فى التعامل مع الكوارث المشابهة أن تعرض المساعدة فى جهود الإغاثة ... وأن تبدى استعدادها لإرسال الطواقم الطبية للمعاونة ... وأن تتسابق الدول الصديقة فى إرسال طائرات المساعدات لمكان الكارثة ... وأن يعلو رنين الهواتف من الرؤساء ... والملوك ... ومديرى المؤسسات الدولية ... بعضها للعزاء ... والأكثر منها لعرض المساعدة وإرسال احتياجات ضرورية ... حتى فى الحالات التى تكون فيها الكوارث فى دول تملك من الإمكانيات الكثير.
ورغم هذا العدد من الدول التى لها رعايا بين الضحايا ... اتخذت إيران موقفا مغايرا ... ولعب قادتها السياسيون بالفاجعة التى ألمت بالمسلمين ... واستغلوا أرواح الضحايا فى أغراض سياسية ... وفى محافل دولية انعقدت لغير هذا الموضوع ... وتوعد قادتها المملكة العربية السعودية برد قاسٍ ... تحولت الكارثة التى أصابتنا إلى مصيبة بيننا ... وبدلا من أن تجمعنا الكارثة الإنسانية ... فرقتنا الأهواء السياسية ... وذهبت إيران فى التوظيف السياسى كل مذهب، حتى طالب قادتها بتدويل المشاعر المقدسة ... وهو مطلب لا يمكن تحقيقه بحكم القانون الدولى ... لأن المشاعر المقدسة جزء من الأراضى السعودية ... والحادث الذى وقع ليس تصفية بشرية ... والضحايا ليسوا قتلى عملية عسكرية ... ولا هم ضحايا تصفية عرقية ... ولا هم قادة عسكريون فى زيارة لبلد آخر ... وحتى لو كان بينهم عسكريون ... ورجال من الحرس الثورى الإيرانى ... وعملاء للمخابرات الإيرانية ... فإنهم جميعا دخلوا الأراضى السعودية حجاجا ... ولو دخلوها بصفاتهم الأخرى لجاز للسعودية احتجازهم ... ولو جاز لقادة الجمهورية الإسلامية فى إيران طلب التدويل ... فليخبرهم أحد العقلاء أن القدس يضيع ... وأن إسرائيل التى تهدد بضرب إيران النووية تعبث بمقدسات المسلمين ... وبينها وبين هدم الأقصى خطوات قليلة ... وأولى بآيات الله فى إيران ... وساستها أن يطلبوا تدويل القدس ... وأن يتوعدوا ـ هم وقادة العالم الإسلامى كلهم ـ حكومة المتطرفين فى إسرائيل برد قاسٍ على جرائم التدنيس ... وأولى بإيران والدول الإسلامية مجتمعة أن توظف جهدها لإنقاذ الأقصى ... فلا خلاف بين السنة والشيعة على أن الأقصى هو مسرى الرسول ... ومنه عرج إلى السماء فأخذ تكليف الصلاة ... ووعد بتشريف الشفاعة ... وهنو ثالث الحرمين ... وأولى القبلتين ... وله من القدسية ما يضعه فى أعين المسلمين أيا كانت مذاهبهم.
عموما ليست القضية الأساسية صفات من ماتوا ... لكن فى رأيى أن من ماتوا خسارة للعالم الإسلامى كله ... وأن توظيف الحادث وغيره من الحوادث لتعميق الخلاف بين المسلمين خيبة ... وخروج عن أوامر هذا الدين الداعى للوحدة ... وأننا نحترف الإساءة لأنفسنا حتى اقتنع أعداؤنا أنهم ليسوا فى حاجة إلى خوض الحروب ضدنا ... فما نفعله نحن بأنفسنا يفوق ما يمكن أن يفعله بنا الأعداء ... الذين يبيعون لنا السلاح.