عباس الطرابيلى
سوريا.. وشرارة حرب عالمية
أخشي ما أخشاه أن تكون أحداث سوريا بداية لاندلاع شرارة حرب عالمية جديدة.. يسقط ضحية فيها عشرات الملايين من البشر.. والسبب أن القوتين العالميتين الأعظم- في الدنيا الآن- تتواجهان فوق المجال الجوي السوري حاليا.
وليس هذا التخوف بعيداً عن الحدوث.. فقد نشبت الحرب العالمية الأولي بسبب اغتيال فرانز فيروناند ولي عهد عرش هابسبورج في النمسا في مدينة سراييفو بالبوسنة يوم 28 يونية 1914. واشتعلت الحرب بإعلان ألمانيا الحرب علي روسيا يومي 29 و30 يوليو لأن شعب الصرب لهم جذورهم الروسية.. ثم أعلنت ألمانيا الحرب علي روسيا نفسها في أول أغسطس وعلي فرنسا يوم 3 أغسطس واستمرت هذه الحرب حتي نوفمبر 1918.. بتدمير روسيا القيصرية نفسها وانتهاء وجود امبراطورية النمسا والمجر.. بل والامبراطورية التركية العثمانية أيضا..
<< وبدأت الحرب العالمية الثانية عندما قامت جيوش ألمانيا بغزو بولندا لاسترجاع ميناء دانزنج من بولندا يوم أول سبتمبر 1939 وردت بريطانيا وفرنسا بإعلان الحرب علي ألمانيا يوم 3 سبتمبر.. ولم تدخل أمريكا هذه الحرب إلا بعد أن هاجمت اليابان القاعدة الأمريكية في بيرل هاربور يوم 5 ديسمبر 1941.. أي أن الحرب الكبري تبدأ بالمواجهة بين القوي العسكرية للدول الكبري.. وهذا ما هو متوقع الآن في سوريا بسبب المواجهة المتوقعة بين روسيا وأمريكا. إذ لكل دولة منهما أسبابها للتدخل في المشكلة السورية.. حتي الدول العربية منقسمة علي نفسها بسبب المشكلة السورية..
<< فها هي القوات الجوية الروسية تبدأ قصف مناطق تواجد القوات المعارضة للرئيس السوري الأسد، وبالذات في شمال غرب سوريا حيث مركز القوة لعائلة الأسد، علوية المذهب.. علي عكس المذهب الشائع هناك في سوريا.. وبالطبع بدأ الطيران الروسي عملياته العسكرية باستدعاء النظام الحاكم للجيوش الروسية التي بدأت بالقوات الجوية.. وبالطبع لا أحد ينفي تواجد قوات عسكرية بحرية روسية في ميناء اللاذقية، والمراكز العسكرية البحرية السورية شمال وجنوب اللاذقية..
وفي المقابل نجد الطيران الحربي الأمريكي يقصف قواعد داعش في سوريا.. سواء انطلقت هذه الطائرات من قواعد أمريكية في جنوب شرق تركيا.. أو من قواعد متحركة، من الأسطول السادس الأمريكي.
وهنا لا ننكر التواجد العسكري التركي: الجوي والبري في شمال سوريا..
<< ولكل هذه القوي- الأجنبية- أهدافها في المنطقة وليس فقط في سوريا مثلاً: روسيا تسعي لاثبات تواجدها في هذه المنطقة الحيوية من العالم لكي تحمي مصالحها الاقتصادية والسياسية.. بينما أمريكا لن تسمح بتوغل روسي كبير في المنطقة التي تراها واشنطون من مجالها الحيوي وليس فقط لحماية منابع البترول في الشرق الأوسط حيث 40٪ من الإنتاج العالمي وحيث 70٪ من احتياطي البترول والغاز في العالم كله.. الذي يتواجد في هذه المنطقة من إيران شرقاً والعراق شمالاً إلي الكويت والسعودية وكل دول الخليج البترولية، حتي عمان.
ولاحظوا أن أمريكا لن تتغافل عن الأطماع الإيرانية في هذه المنطقة الممتدة من الخليج العربي شرقاً وحتي البحر المتوسط غرباً.. بل إن إيران أيضا تمد أطماعها إلي اليمن حيث البترول أيضا أصبح عاملاً أساسياً بجانب أهمية اليمن الاستراتيجية عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.. وهو ما يحقق أيضا مطامع طهران في محاصرة السعودية من كل الجهات..
<< وربما تتفق أهواء موسكو مع واشنطون في ضرورة رحيل بشار الأسد.. وإن كان أحد الأطراف يشترط الرحيل الآمن للرجل أو كان الطرف الأمريكي يلعب لمصلحته من أجل تفتيت الدولة السورية وتقسيمها إلي عدة دويلات كما فعلت فرنسا خلال انتدابها علي سوريا ولبنان أوائل العشرينيات..
ولكن المؤلم الا تتفق الدول العربية علي وضع واحد يحقق الأمن للشعب السوري.. ويتصدي للمطامع التركية.. والأهواء الأمريكية والأحلام الروسية. وهذه الخلافات بين العواصم العربية التي بقي لها بعض القوة تقف حجر عثرة أمام إنشاء القوة العربية الموحدة التي يمكن أن تتصدي لكل هذه الأهواء. فالعراق لها رأي يلبي إلي حد ما الأطماع الإيرانية ولا يرعي المصلحة العربية.. كما أن لكل من الرياض والقاهرة رأيها الخاص في هذه المعضلة..
<< أما باقي الدول العربية- والعدد في الليمون- فلا رجاء فيها اللهم إلا أن تشهد أن الإمارات والكويت مازالتا تعملان وفق المصلحة العربية العليا واقرأوا الفاتحة علي أي قرار جزائري أو مغربي.. أو حتي موريتاني.