كان الله فى عون مصر وشعبها، فهى تدار فى مرافق عديدة بمسؤولين متوسطى الكفاءة والقدرات، بعد التجريف الإنسانى الرهيب الذى أصابها فى الثلاثين سنة الأخيرة، وكان يمكن تجنب مأساة استاد الدفاع الجوى دون أن يسقط مشجع زملكاوى واحد قتيلًا مهما تصاعدت الأحداث ما دام لدينا كفاءة فى إدارة الأزمات، ولهذا نريد تحقيقًا موسعًا ليس فقط عن أسباب سقوط الضحايا، ولكن عن كيفية إدارة الأزمة.
نريد إجابات واضحة عن كيف توزعت تذاكر الدخول ودعواتها؟ ولماذا جاءت كل هذه الجماهير رغم محدودية العدد المسموح له بالدخول؟ ولماذا لم تنتصب بوابة خارجية تبعد عن الاستاد بمئة متر مثلًا ليعبرها المسموح لهم فقط؟ ومن صاحب فكرة ممر الموت الحديدى الضيق؟ -وهى عمل غير إنسانى حتى لو لم تقع الكارثة- وكيف تصرفت القوات حين لاحت الأزمة فى الأفق؟ وهل سقط قتلى لأسباب غير الاختناق والتدافع؟ لأن ثمة أقوالًا من بعض الأهالى تصر على وجود طلقات رصاص وخرطوش فى أجساد أبنائهم؟.. إلخ.
ومعرفة ظروف الكارثة وإعلانها على الرأى العام قد يفيد فى منع تكرارها، مع أننا لا نتعلم بسهولة.. فقبل أن تقع الكارثة بشهور حذرنا من عودة الجماهير إلى المدرجات، فالوقت لم يكن مناسبًا من عدة وجوه، خصوصًا بعد حالة الصدام التى وقعت بين إدارة الزمالك والألتراس، وكتبت فى سبتمبر الماضى مقالا هنا فى التحرير قلت فيه: إن القفز إلى مدرجات الدرجة الثالثة خطر جدا، فجماهيرها حساسة وسهلة الاستفزاز والانفعال والانقياد والاندفاع دون أى حسابات منطقية، وإن جرجرة الدولة إلى معركة مع روابط الألتراس المشاغبة توقيتها غير سليم بالمرة، فمن المؤكد أن بعض تلك الروابط خرج على القانون فى السنوات الأخيرة وأحدث ضررًا بالغًا بالمجتمع، وبعضها أعلن تحديه للسلطات متمثلة فى جهاز الشرطة، ودخل معه فى مواجهات ثأرية بالألفاظ والأفعال المجرمة، حتى قبل ثورة ٢٥ يناير، ثم دخلت السياسة مع الرياضة فباظت الدنيا تمامًا .
لكن الدخول فى معركة معهم الآن خطأ فى توقيت خاطئ، فجهاز الشرطة فى أى مصادمات يخوض واحدة من أشرس المواجهات فى تاريخه كله، ضد الإرهاب، بينما جانب من الألتراس شباب متحمس محب لناديه وغاضب وأرعن ومعارفه محدودة، على الرغم من وجود هياكل تنظيمية لهم بقيادة كابو فى كل منطقة، فهدفهم لم يصل أبدًا إلى هدم الدولة كما تسعى الجماعة، ولا يملكون أى أدوات له.
وكان قرار منع الجماهير عن المدرجات صائبًا تمامًا، فى ظل هذا الانفلات، ولتنتظر الملاعب فارغة فترة أخرى، فلن يموت الناس ولن تتأخر الشمس عن الشروق لو لعبت الأندية من دون جماهير.
لكن الحكومة لم تفهم أو لم تقرأ، واستجابت للضغوط دون دراسة علمية عن كل الاحتمالات الممكنة وأعادت الجماهير فى توقيت خاطئ!
ثم أسرعت الحكومة باتخاذ قرار بوقف الدورى العام وقفًا مؤقتًا لأجل مسمى، وهو المعنى الأمنى لإلغاء المسابقة، وإلغاء المسابقة قرار خاطئ آخر، فليس من المعقول كلما وقعنا فى مشكلة وفشلنا فى إدارتها نلغى نشاطها، يمكن أن نؤجل أسبوعين ثم نستأنف النشاط، لأنه مرتبط بعشرات الآلاف من الأسر المصرية.