د. أحمد جاد منصور
"أضواء علي حماية الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية" "4"
ينص الدستور المصري الصادر عام 2014 في المادة "62" علي أن حرية التنقل والاقامة والهجرة مكفولة.. وهذا مبدأ دستوري هام جدا وبمقتضاه يحق لأي مواطن أن يتنقل داخل البلاد في أي وقت يشاء وإلي أي مكان يشاء.. كما أن له أن يختار المكان الذي يرغب في الاقامة فيه داخل البلاد وأن يغير هذا المكان في أي وقت يشاء.
كما أكد الدستور علي أن حق الهجرة مكفول والهجرة قد تكون مؤقتة لمدة محددة لأسباب كثيرة من بينها العلاج في الخارج. العمل في احدي الدول العربية أو الأجنبية. السياحة. التعليم. الابتعاث إلي الخارج... وغير ذلك من الأسباب. كما قد تكون الهجرة دائمة إلي احدي الدول الأجنبية بهدف الاقامة الدائمة والعمل فيها.. حيث أشار الدستور إلي حق كل مواطن في الهجرة خارج البلاد سواء كانت الهجرة مؤقتة أو دائمة.
وفي ذات المادة أكد الدستور علي عدم جواز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة ولا منعه من العودة إليها.. وهو ما كان يعرف قديما بالنفي. وهذا الحظر الدستوري مطلق بمعني انه لا يجوز أبدا اجبار أي مواطن طالما مازال متمتعا بجنسيته المصرية علي الخروج من البلاد.. كما انه لا يجوز أيضا منعه من الدخول إليها وقتما يشاء.. وإذا كان هنالك أي محاذير أمنية أو اتهامات أو أحكام قضائية صادرة ضده في بلاد أخري فإنه لابد أن يمكن أولا من الدخول إلي بلده. ثم يتم التعامل معه بمعرفة الجهات المعنية بالدولة في ضوء القوانين الوطنية.. أو طبقا للاتفاقيات الاقليمية أو الدولية المعمول بها في هذا الشأن.
وأكد الدستور علي أنه لا يمكن منع أي مواطن من مغادرة اقليم الدولة أو فرض الاقامة الجبرية عليه في مكان معين أو منطقة معينة. أو حظر الاقامة عليه في جهة معينة.. إلا بأمر قضائي مسبب علي أن يكون محدد المدة أيضا.. وتجدر الاشارة إلي أن القانون ذو الصلة يتضمن وضع القواعد التفصيلية لتنظيم مباشرة هذه الحقوق والحريات والشروط والضوابط اللازمة لذلك.
وحرصت المادة "63" علي التأكيد علي حظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله.. ويقصد بذلك عدم جواز إخلاء منطقة معينة بالبلاد من سكانيها من المواطنين باستخدام الإكراه المادي أو المعنوي وأكد أن مثل هذا التهجير القسري يعد جريمة لا تسقط بالتقادم أي يحق للمضرور أن يلجأ إلي القضاء لطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت به في أي وقت دون التقيد بضرورة أن يكون ذلك خلال فترة زمنية محددة.
أما إذا كان الإخلاء طوعيا وبإرادة المواطنين فلا مشكلة في هذا الأمر وهنا جدير بنا جميعا أن نتوجه بكل التحية والتقدير لأهالينا في شمال سيناء علي مواقفهم الوطنية التي سوف يسجلها التاريخ بأحرف من نور لمبادرتهم بالاستجابة إلي إخلاء أماكن اقاماتهم في الشريط الحدودي في إطار مساعدتهم لجهود الدولة في هدم الانفاق والقضاء علي الإرهاب.
وهنا نذكر بالأجندات الأجنبية المغرضة التي حاولت - ومازالت - تحدث الوقيعة بين أهالينا في سيناء والدولة.. من خلال تصويرها للأمر علي أنه تهجير قسري تعسفي.. ولكنها فشلت فشلا ذريعا بسبب الموقف الرائع لأهل سيناء الوطنيين حتي النخاع الذين يضربون أروع الأمثلة في الانتماء والولاء لأرض الكنانة حفظها الله.
وتفرض المادة "64" من الدستور حمايتها علي حرية الاعتقاد. وتشير إلي أن حرية ممارسة الشعائر الدينية واقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون.
ومقتضي هذا النص أن المقصود هو حرية الاعتقاد دون أن يتعدي الأمر ذلك بالإدلاء بآراء ومعتقدات تتعارض مع الأديان السماوية وتؤدي إلي تهديد الأمن القومي للبلاد.. كما أن ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة.. مثلها مثل جميع الحقوق والحريات هي نسبية وليست مطلقة أي أنها تخضع للتنظيم القانوني الذي يحقق التوازن دائما بين كفالة تمتع المواطنين بحقوقهم وحرياتهم وبين الحفاظ علي مقتضيات الأمن القومي المصري.
وهنا أود التأكيد علي عدد من الأمور أولها أن الدين لله والوطن للجميع وأن جميع المواطنين لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات.. كما أن مبدأ المواطنة الذي أكد عليه الدستور في مادته الأولي علينا جميعا أن نفعله ونلتزم به ونعتبره الأساس الأول في التعامل فيما بيننا بغض النظر عن أي اعتبار آخر خاص بالدين أو الجنس أو المستوي الاقتصادي أو الاجتماعي.. أو أي اعتبار آخر.
كما ان مبادئ الديانات السماوية الثلاث واحدة لأن مصدرها واحد من الله عز وجل.. وبالتالي حينما ينص الدستور في مادته الثانية علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في الدولة باعتبار أن مصر دولة إسلامية.. فإن هذا الأمر لا يتعارض مطلقا مع مبادئ الديانة المسيحية كما قلنا.. خاصة وأنه فيما يتعلق بالأحوال الشخصية لغير المسلمين تطبق عليهم القوانين الخاصة بهم.
وفيما يتعلق بتأكيد الدستور علي الحق في اقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية.. وأن القانون ينظم ضوابط التمتع بهذا الحق فانه من البديهي أن ذلك يسري علي كل من المساجد والكنائس.. ولا ينبغي أن تكون هنالك أي حساسية في انشاء كنائس جديدة فهي دور عبادة للمسيحيين مثلها مثل المساجد لدي المسلمين.. وكما قلنا الدين لله والوطن للجميع.. وأن كل مواطن مصري له أن يتمتع بكافة حقوقه وحرياته علي قدم المساواة باعتباره مواطنا مصريا.
وللحديث بقية