الوطن
د. محمود خليل
عرش «بشار»
لم تعد مفردة «الخطير» تفى عند وصف المشهد السورى الحالى، فالتداعيات المتوقعة للتدخل الروسى العسكرى السافر فى سوريا ينذر بما هو أخطر، وتدفق القوات الإيرانية إلى ساحات المعركة الدائرة على أرضها بأعداد غير مسبوقة، طيلة السنوات الماضية، يصب المزيد من الزيت على النار الملتهبة، وثمة طرفان أساسيان سوف يحصدان الكثير من المكاسب من حالة التعقيد التى وصل إليها المشهد السورى، أما الأطراف المتحاربة هناك، فأجد أنها تخوض معركة، سيخرج الكل منها حاملاً على أكتافه خسائر كبيرة، يستوى فى ذلك الروس مع الأمريكان مع الإيرانيين، مع الجيش السورى الحر، مع الخلايجة. الأرجح أن هذه الأطراف ستخرج خاسرة من هذه المعركة، لكن ثمة طرفين أساسيين سيستفيدان كل الفائدة من تلك الحرب التى سيشتد أوارها يوماً بعد يوم. هما «داعش» وإسرائيل.

ربما كان تنظيم «داعش» الطرف الأكثر استفادة، وحصداً للمكاسب من حالة التعقيد التى وصل إليها المشهد السورى. فالواضح أن الضربات الجوية الروسية لا تستهدف هذا التنظيم، قدر ما تستهدف قوى المعارضة السورية والجيش الحر، بالإضافة إلى قصف الفرق التى تم تدريبها فى الولايات المتحدة الأمريكية، فروسيا تنظر إلى هذا الطرف كعدو مباشر يسعى إلى الإطاحة بنظام حليفها بشار الأسد، و«بشار» من جهته لا يجد أى غضاضة فى الاستعانة بصديق أجنبى من أجل حماية كرسى الحكم الذى يجلس عليه وسط حمامات الدم. والهدف الرئيسى من تصفية فصائل المعارضة السورية هو إخلاء الأرض لمواجهة صريحة بين «داعش» و«أصدقاء بشار»، يسهل أن تكتسب غطاء شرعياً دولياً تحت يافطة «الحرب على الإرهاب». وواقع الحال أن وجود الروس والإيرانيين فى المشهد يمنح «داعش» ذريعة أخلاقية أخطر تعطى التنظيم المزيد من القوة، تتمثل فى وقوفه ضد غزاة أجانب جاءوا لمساندة حكام يستبدون بشعوبهم، وستنتعش هذه الذريعة أكثر وأكثر، عندما يصب عليها التنظيم زيت الخلافات العقائدية والمذهبية، والأرض العربية مهيأة حالياً للاستماع لمثل هذه النعرات. وتمتع تنظيم «داعش» بغطاء أخلاقى يدعم عربدته فى المنطقة التى تصنعها ظروف وسياقات نعلمها جميعاً، أمر له خطورته وتأثيره. من المهم أيضاً، ونحن بصدد الحديث عن مكاسب «داعش» من المشهد السورى الحالى أن نشير إلى أن ثمة أطرافاً إقليمية ودولية محددة تدعم هذا التنظيم، بأشكال مباشرة وغير مباشرة، ومن المتوقع أن يزداد هذا الدعم مع الوجود المقلق لكل من الروس والإيرانيين من الدور الحالى الذى يلعبانه فى حماية «عرش» بشار.

بإمكان إسرائيل أيضاً الاستفادة من الأوضاع الحالية التى وصل إليها المشهد السورى، ومؤكد أن التصريحات التى تتدفق من تل أبيب، ويعبر فيها المسئولون الإسرائيليون عن قلقهم من الوجود الإيرانى والروسى فى سوريا تمهد لردود أفعال معينة سيحدد المستقبل حجمها ومداها للتدخل الإسرائيلى فى سوريا، إلا أن يكون صانع القرار الإسرائيلى مقتنعاً بأن الحفاظ على عرش «بشار» يصب فى مصلحتها. فى كل الأحوال علينا أن نسلم بأن حماية «بشار» أصبحت العامل الذى تتمحك به كل الأطراف التى تبحث عن مساحات نفوذ وتمديد لمصالحها فى المنطقة العربية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف