الأخبار
فاطمة قنديل
حرية النساء الشخصية !
السؤال الذي لم يتطرق إليه المدافعون عن حريات الأستاذات، والمتجاهلون لحريات الطلاب هو: لماذا تصر علي التدريس للطلاب، وعلي فرض حريتها علي حريتهم؟

«في كل مجال/ مسيخ دجال/ يعيش سلطان/ علي الجُهّال». هذا الكلام لبيرم التونسي منذ عقود، وأظنه لايزال صالحا في أيامنا، للأسف، فبين ليلة وضحاها سري كالنار في الهشيم في المواقع الإلكترونية قرار رئيس جامعة القاهرة بمنع الأستاذات «المنقبات» من التدريس في جامعة القاهرة؛ منهم من أيد القرار مثلي، وتمناه في جامعته، ومنهم من ألقي علينا محاضرات في «الحريات الشخصية» وكفالة الدستور لها، ومنهم من أغرق-الأستاذات المتبرجات- (مشيرا لغير المحجبات!) بسيل من السباب، وضرورة معاملتهن بالمثل، ولأنني لا أريد الخوض في مسائل فقهية تخص ضرورة الالتزام بالنقاب من عدمها، سأقصر حديثي علي المسائل «التعليمية» و»التربوية» التي أزعم أنني علي دراية بها. يبدو التناقض الأول في دعم خطاب المنادين، الغيورين علي الحريات الشخصية، لقضية تخلت هي نفسها عن ما تدعو إليه! ففي منظومة النقاب صوت المرأة عورة، ولك أن تتخيل معي أن الأستاذة المنقبة تعتمد، بالضرورة، علي هذه «العورة» لتوصيل المادة العلمية للطلاب! ولأن الأستاذة لا يمكنها أن تضع «وردة» مكانها في المحاضرات،كما تفعل الأحزاب السلفية في برامجها الانتخابية، تضطر لحضور المحاضرة بزي فضفاض كالجلباب، أسود غالبا، واضعة نظارة علي عينيها كي لايراها الطلاب، متجاهلة حقهم في «حرية» أن يروا من يتوجه إليهم بالصوت! ولأن الحرية، كثيرا ما تنظر بعين واحدة، متجاهلة حق الطلاب في التحدث إلي «إنسان» لا إلي «زي» موحد بين الأستاذات،يُقدم بوصفه نموذجا للإشارة إلي الأشد «تدينا»، لا الأكثر علما بالضرورة، ينشغل المدافعون عن الحريات الشخصية عن الاهتمام بحريات أخري، لاتقل أصالة وحقا في الوجود، بل يتجاهلون «التمييز العنصري» ( وهوما يجرّمه الدستور) و»التعليمي» الكامن في حق الطالبات، وحدهن - دون الطلاب- في رؤية أستاذتهن وتبادل الحديث معها مكشوفة الوجه والشعر لأنهن، جميعهن، نساء! ومن وجهة نظر المؤيدين لقرار رئيس الجامعة، فالتواصل والتفاعل بين الطلاب والأساتذة لايمكن أن يعتمدا علي الصوت وحده، وإنما علي عوامل متعددة؛ من بينها تبادل الرؤية بين الطرفين، لكن المسألة تتجاوز مجرد التفاعل،بل تتجاوز العملية التعليمية نفسها لتصبح تمييزا عنصريا بين الأستاذ والأستاذة، وبين الأستاذة وطلابها، من هم كأبنائها! أعني أن مجرد الإشارة إلي «أنوثتها» استبعادا، أو إثارة للاهتمام، تضعه أخلاق المهنة تحت باب «سفاح المحارم»، وهو ما لا يدركه دعاة الحريات الشخصية للأستاذة، فتعميهم نداءات الحرية عما تستدرجهم إليه هذه الدعوة من فخ إسقاط منظومة الرجل والمرأة التقليدية علي منظومة التعليم، التي من المفترض، وبحكم الدستور، أن يتساوي فيها النساء والرجال، طلابا وطالبات، وأساتذة وأستاذات، منظومة لها قوانين أخري تخصها، وأخلاقيات لا تلعب فيها «الغواية» الأنثوية دورا، إلا في أذهان المهووسين والمرضي، لا تمييز فيها بين أحد وآخر إلا بالعلم، وشرف المهنة، ومدي تحمل مسؤولية أجيال تبدأ تفتحها للحياة، ترسيخ هذا التراتب بين الرجل والمرأة تحت ستار الدفاع عن الحريات الشخصية، وبدعوي مناصرة المرأة في خياراتها، يخفي وراءه، بقصد أو بدون قصد، تمييزا علي أساس الدين بين المرأة والمرأة، تمييزا يقوم علي الملبس، «فرزا» اجتماعيا، لا علميا، بين المسلمة والقبطية، وبين المسلمة المتبرجة والمرتدية الحجاب، وبين المرتدية الحجاب والمرتدية النقاب، وفرزا- من قبل الطلاب أنفسهم- لأستاذاتهم عبر نبرات أصواتهن، وهي المميز الوحيد في حال النقاب، والذي قد يفتح المجال «لخيال مراهق» تربأ الأستاذة، غير محجبة كانت أومنقبة، من مخايلته في العقول. السؤال الذي لم يتطرق إليه المدافعون عن حريات الأستاذات، والمتجاهلون لحريات الطلاب هو: لماذا تصر الأستاذة المنقبة علي ارتياد الجامعات المختلطة؟ لماذا لاتفكر في حل يتسق مع خياراتها وقناعتها بأن وجهها عورة؟ لماذا تصر علي التدريس للطلاب، وعلي فرض حريتها علي حريتهم؟! الإجابة عندها بالقطع، لا عندي، وعند الرجال-عفوا- الأساتذة، الذين غلت الدماء في عروقهم فجأة، ودون سابق إنذار، مدافعين عن: حرية النساء الشخصية!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف