المساء
مؤمن الهباء
عام .. مثل كل الأعوام
* لا جديد تحت شمسنا.. بدأ العام الدراسي مثل كل الأعوام التي بدأت من قبل.. نفس الأزمات. ونفس الوعود.. الفوضي تسيطر علي كل شيء والناس غاضبة.. المدارس لم تكتمل فيها أعمال الصيانة.. والقمامة تحيط بها من كل جانب.. الجداول ناقصة. والكثافة فوق الاحتمال.. والكتب معظمها لم يصل إلي التلاميذ.. الكراسات والأدوات المدرسية أسعارها نار!!
وتصريحات وزير التعليم. هي نفس التصريحات التي يدلي بها كل وزير في هذه المناسبة. حتي كدنا نحفظها من كثرة التكرار.. كلام مرتب ومنمق عن الانضباط والطابور والنشاط والنظافة. وتقليل الكثافة. والمجموعات الدراسية لمحاربة الدروس الخصوصية. وتخفيف الأعباء علي أولياء الأمور.. وتأكيد علي تطوير العملية التعليمية.
ربما افتقدنا هذا العام الضجة التي أحدثها الوزير السابق د.محب الرافعي. في أول زيارة ميدانية له في بعض المحافظات حول جهل تلاميذ الإعدادي بالقراءة والكتابة.. والسبب في ذلك يرجع بالطبع إلي أن الوزير الحالي نفسه مطعون في قدراته الإملائية.. والضجة هذا العام تدور حوله هو وليس التلاميذ!!
ولا يختلف الأمر كثيراً في الجامعات.. الأوضاع مرتبكة جداً. وكأن العام الدراسي فاجأنا. وأخذنا علي غِرَّة.. وقد يحمد لوزير التعليم العالي الجديد أنه كامن صامت. وسط "الهرجلة".. يبدو أن أحد أصدقائه المخلصين نصحه بألا يحرق نفسه بتصريحات فشنك في هذه المرحلة. لن تؤخذ أبداً علي محمل الجد.
ولو قدر لك أن تزور أي جامعة من جامعاتنا مع بداية العام الجديد سوف تصدمك الطوابير المنتشرة في كل مكان.. طوابير علي أبواب الدخول وكأنك في يوم الحشر العظيم.. طوابير علي شباك دفع المصاريف.. طوابير علي شباك التحويلات.. الزحام لا يطاق.. مع أنه من الممكن بشيء يسير من التنظيم إنهاء هذه المعاناة الكبري التي يكابدها أبناؤنا.. والتي لا يمكن أن تترك لهم فرصة بعد ذلك لتحصيل العلم.
ما الذي اختلف هذا العام عن العام الماضي والأعوام السابقة؟!!
لاشيء.. بل ربما يكون العكس هو الصحيح.. فالمعاناة أكثر أو التنظيم أشد سوءاً..
لقد تكاثرت الجامعات وتعددت الكلمات وتنوعت.. ومع ذلك لا يزال الزحام هو سيد الموقف.. والسبب الوحيد هو سوء التنظيم وعدم التنسيق مبكراً لتوسعة المنافذ التي تتعامل مع الطلاب.. وزيادة عدد الموظفين الذين يقدمون الخدمات ويحصلون علي المصاريف.. وما أكثر الموظفين عندنا.
أضف إلي ذلك حالة الجشع التي انتابت الجامعات "الحكومية" تجاه المال.. كل شيء داخل الجامعة. لابد أن يقدم برسوم وتمغات.. والرسوم والتمغات والمصاريف تزداد عاماً بعد عام بنسبة لا تقل عن 10%.. فأنت تتعامل في الجامعة كما لو كنت في مول تجاري.. وتدفع ما يطلب منك صاغراً. وتحمد الله كما لو كنت ترضخ للإتاوة.
والحقيقة أن طبيعة المنظومة التعليمية تغيرت بأكملها في ظل حالة النهم اللا محدود للحصول علي المال بكل الوسائل من الطلاب.. فالتعليم لم يعد حقاً من حقوق المواطنة. ولم يعد واجب الدولة تجاه مواطنيها.. ولم يعد رسالة.. ولم يعد خدمة وطنية واجتماعية وأمناً قومياً. واستثماراً في المستقبل. كما يقول المسئولون في تصريحاتهم لدغدغة المشاعر.. ولم يعد هناك مجال للحديث عن مجانية التعليم كالماء والهواء ولا حتي مجانية شكلية.. وإنما صار التعليم وسيلة فعالة لاستنزاف الأسرة المصرية.
دعك من الدروس الخصوصية.. فلا جدوي من أي حديث بشأنها. فقد صارت قدراً مقدوراً بسبب تدني مستوي التعليم في المدارس.. ولكن إذا اضطرتك الظروف للتعامل مع المؤسسة التعليمية الانتقالية من الثانوية إلي الجامعة. فسوف يكون عليك أن تدفع رسوماً لسحب الاستمارات. ورسوماً لتقديم الملفات. ورسوماً لامتحان القدرات. ورسوماً لدورات تدريبية ورسوماً للتظلم من الدرجات. ورسوماً لامتحاب القبول في الكليات. ورسوماً لبيان الحالة.. وبعد ذلك تدفع المصاريف!!!
كل ذلك يحدث في إطار التعليم الحكومي الذي يجري عليه الفقراء والطبقة المتوسطة التي تعيش بالكاد في ظل ارتفاع جنوني في الأسعار كل يوم. وتعاني من أزمات في جميع المتطلبات الأساسية للحياة.. وهؤلاء يمثل العام الدراسي الجديد لهم مناسبة بائسة حزينة... تتغير الدنيا من حولهم. وهم في بؤسهم لا يتغيرون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف