الوطن
نشوى الحوفى
عبور الرجال وتنميتنا المستدامة
حينما تعلم من تقرير للبنك الدولى أن حجم ما يُنفق على الصراعات سنوياً يبلغ نحو 100 مليار دولار، وأن حجم المضارين من تلك الصراعات المسلحة فى العالم مليار ونصف المليار فرد، وأن 50% من وفيات الأطفال فى العالم يكون فى مناطق الصراعات. فلا بد أن تتساءل مجدداً عن حقيقة اجتماعات الأمم المتحدة فى نيويورك مؤخراً والتى تعلم بالضرورة تلك الحقائق، ليكون توجيه السؤال للسادة قادة دول العالم المجتمعين للحديث عن السلام والتنمية: عن أى تنمية مستدامة يتحدثون؟ وأى نوع من السلام يطمحون له؟ فإذا كانوا هم وخزائن دولهم المستفيدين من بيع السلاح لأبطال الصراعات فى شتى بقاع الأرض، فكيف سيعملون على تحقيق السلام؟! كنت أتمنى أن يطرح السادة الإعلاميون الموجودون فى الأمم المتحدة هذا السؤال على أى زعيم أو مسئول بدلاً من استضافة من نراهم فى بلادنا.

وإذا كنا نتحدث عن تنمية مستدامة فلتكن تجربتنا فى بلادنا نموذجاً نسعى لتحقيقه، لا باختراع العجلة من جديد، ولكن بالاستفادة من تجارب الآخرين وتجنب أخطائها علّنا نصل فى النهاية إلى الطريق الذى نتمناه. ولذا كم أتمنى أن تطرح وزارة الصناعة قائمة بكل أسماء المصانع المتوقفة عن العمل والتى بحاجة للتطوير وحل مشكلاتها وإعادة تشغيلها وفقاً لاحتياجات الصناعة القومية فى بلادنا. ولا مشكلة على الإطلاق فى التمويل، فإما أن تطرحها للمشاركة بالنصف بين الدولة ورجال أعمال مستثمرين يضخون فيها ما يُصلح أحوالها مع احتفاظ الدولة بنصف الملكية، أو أن تطرحها كأسهم للمصريين فنشترى أسهماً بأموالنا لنساهم فى دوران محركات التشغيل بتلك المصانع التى هى أحد أهم أحجار التنمية المستدامة لحل مشاكل البطالة والتوظيف وزيادة الإنتاج، ومن ثم الدخل القومى لبلادى، فيستفيد المواطن وتستفيد الدولة. نعم، نحن بحاجة لذلك لنحقق تنميتنا المستدامة كما قال الرئيس فى مقاله بجريدة «وول ستريت جورنال»، منذ أيام، لنشر عدالة التوزيع وحل مشكلة البطالة ورفع معدلات النمو الاقتصادى فى العام المالى 2015-2016 إلى 5%. لسنا بحاجة لانتظار المستثمر الأجنبى طيلة الوقت.

وعند الحديث عن التنمية المستدامة دعونا نكرر الحديث عن التعليم كهدف استراتيجى لبلادى يتعدى حدود الخدمة المقدمة للمواطنين، بحيث إن شعار المرحلة فى العالم بات هو «تسييح الدماغ»، وهو ما يوجب الحفاظ على تلك النعمة بتوعيتها وتنمية أخلاقها وقدرتها على الإبداع وربطها باحتياجات السوق ومواصفات سوق العمل فى الداخل والخارج وبأعلى كفاءة فى وقت تعانى فيه أوروبا من تراجع معدلات المواليد وبالتالى نسب الأيدى العاملة القادرة على دخول سوق الإنتاج. وهكذا فإن التنمية المستدامة لا بد أن تعتمد على تعليم يرتقى بالفكر والعقل والروح لخلق إنسان متحضر قادر على الإنتاج فى كافة المجالات، وقادر على رفض كل دعاوى الانزلاق فى براثن الإرهاب.

وعند الحديث عن التنمية المستدامة فلا حديث عن معوقات وتحديات وعدم قدرة ونقص التمويل وصعوبات لا تنتهى قوائمها لدى قصيرى الهمة وضعاف الإرادة. ولنا فى عبور القناة وانتصار أكتوبر أسوة حسنة لمن أراد التنمية على حق. فمن يراجع حجم الصعوبات التى كان علينا اجتيازها فى أكتوبر 73 وحجم التحديات والمعوقات التى فُرضت علينا فى تلك المعركة، ويقرأ عن شماتة العدو وإشفاق الصديق بنا يؤمن بأننا شعب لا يعرف المستحيل إن أجاد التخطيط وآمن بالهدف وأخلص له وقدّر الله له القيادة الصادقة. من كان يصدق أن نقلص ساعات إنشاء الكبارى لعبور المدفعية والدبابات إلى 12 ساعة بدلاً من 24 ساعة؟ من كان يصدق أن يصمد فرد المشاة 24 ساعة كاملة على الضفة الأخرى لحين عبور المدفعية له وهو يحمل على ظهره مدفعاً مضاداً للدبابات بمدى لا يتجاوز 600 متر بينما الدبابة المستهدفة يبلغ مداها 3000 متر؟ من كان يصدق أن نعبر القناة رغم أنابيب النابالم والساتر الترابى ذى الـ26 متراً، وخط بارليف المنيع؟ كانوا رجالاً أدركوا أن البقاء يجب أن يكون لمصر وأبنائها فتحدوا ما قالوا لهم عنه: صعوبات. ونحن أيضاً علينا ذلك، فبلادنا وأولادنا يستحقون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف