المساء
مؤمن الهباء
درس من جسر الجمرات
أخيراً.. وأخيراً جداً.. اقتنع الدكتور وزير الأوقاف رئيس بعثة الحج بأنه لا مفر من إعلان الحقيقة.. والاعتراف بأن عدد الضحايا المصريين في حادث جسر الجمرات قد بلغ 124 حاجاً فيما وصل عدد المصابين إلي 14 شخصاً والمفقودين إلي ..72 تلك نقلة مهمة جاءت بعد مرحلة من الإنكار والتعتيم والمراوغة.. ولابد أن تنبهنا إلي الأخطاء التي سبقت.. وترشدنا إلي الطريقة الصحيحة التي يجب أن يتم التعامل بها من البداية مع مثل هذه الكوارث.
فمنذ اللحظة الأولي لوقوع الحادث المشئوم كانت التصريحات الرسمية الصادرة عن بعثة الحج تصر علي أنه لا وفيات من المصريين بين ضحايا حادث مني.. وقد كان ذلك أمراً مستغرباً حقاً بالنظر إلي فداحة الحادث والأعداد الهائلة للمتدافعين علي جسر الجمرات.. ومعروف أن المصريين من أكثر الحجاج عدداً.. ولا يمكن تصور وقوع حادث كهذا دون أن يكون هناك مصريون بين الضحايا.. ولا أدري ما العيب في ذلك.. وماذا ينتقص من قدر البعثة الرسمية لو قالت ليس لدينا معلومات ونحن في مرحلة اتصال وتواصل مع السلطات السعودية للإطلاع علي حقيقة الموقف.
الغريب.. أن التصريحات المطمئنة الصادرة عن البعثة استبقت الأحداث دون داع لتؤكد أنه لا وفيات من المصريين.. مع أن عدد الضحايا لم يكن قد استقر بعد.. وكان في تزايد مستمر.. ولم يتم الكشف رسمياً عن جنسيات المتوفين ولا حتي المصابين.
أما الأكثر غرابة. فقد كان ذلك القرار الديكتاتوري الذي أصدره وير الأوقاف رئيس البعثة بمنع رؤساء البعثات النوعية من الإدلاء بتصريحات حول حادث مني وعدم التحدث لوسائل الإعلام في هذا الظرف العصيب.. ومنع الإعلاميين من البحث عن أية معلومات حول الحادث ونشرها حتي لا تحدث بلبلة.. وبالتالي يكون هو مصدر المعلومات الوحيد في هذا الشأن.
والآن.. وبعد أن اتضحت الصورة.. أرجو أن نتفهم الدرس.. ونستوعب ما فيه من عظة.. فالفارق شاسع جداً بين التصريحات الأولي المطمئنة والمصرة علي النفي المطلق لوقوع ضحايا مصريين والتصريحات الأخيرة التي تعترف بالحقيقة الكاملة.. ولذلك كان من الأفضل في مثل هذه الحالات أن تأتي التصريحات الأولية هادئة وصادقة ومعبرة عن الحقيقة.. وليس يعيب أي مسئول أن يقول إنه لا يمتلك معلومات مؤكدة.. وأنه يبحث ويجري اتصالات.. وعندما تتوافر المعلومات سوف يعلنها.
والحقيقة أنا لا ألوم الدكتور وزير الأوقاف رئيس بعثة الحج فيما حدث لإدراكي الكامل بأن هذه هي طريقتنا.. والوزير لم يشذ عنها.. نحن نتحدث كثيراً عن الشفافية لكننا لا نمارسها.. وفي كل الحوادث المشابهة كانت التصريحات الأولية تأتي مطمئنة ثم نكتشف الكارثة.. في حوادث العبارات والمعديات والتصادم تخرج التصريحات المكررة لتهديء من روع الناس وتريح أعصابهم.. وبعد فترة وجيزة تتكشف الحقائق تدريجياً.. والنتيجة أن لا أحد صار يثق في التصريحات الأولية.. وأخشي أن أقول "في الإعلام".. فالإعلام بريء من ذلك لأنه يعتمد علي التصريحات الرسمية غير البريئة.
وعندما لا يثق الناس في الإعلام فإنهم يذهبون إلي مصادر أخري للحصول علي معلومة من هنا أو من هناك.. وقد تكون هذه المصادر مضللة ومغرضة وموجهة.. لذلك يكون من الأفضل في كل الحالات أن يأتي التعامل مع الحدث من البداية صادقاً وملتزماً حتي لا ندع أية فرصة للآخرين بأن يتلاعبوا بمشاعرنا.. ونساعد الناس علي معرفة الحقيقة منذ البداية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف