الأهرام
محمد ابو الفضل
فضفضة المصرى الحزين
من أهم مزايا الحراك الكبير الذى حدث خلال السنوات الماضية، أنه جعل قطاعا واسعا من المصريين لديهم وعى سياسي، واهتمام بكل ما يدور حولهم، فى الداخل والخارج، ولم تصبح المشاركة، المادية والمعنوية، مقصورة على فئة محددة، ولم يعد التفاعل مع الواقع وتعقيداته، محصورا فى طبقة، فرضت عليها الظروف أن تنخرط فى مجال السياسة.
فى أى وسيلة مواصلات، أو مقهى أو مطعم أو زملاء فى العمل، يمكن أن تجد شخصا أو أكثر ملما بأمور سياسية تبدو دقيقة، كان من الصعوبة على أمثال هؤلاء متابعتها، ربما تكون التطورات التى مرت بها البلاد، والمنطقة عموما، فرضت على هذه النوعية من البشر الاهتمام بها، حيث تيقنوا من انعكاسها على حياتهم، وقد تكون ثورة المعلومات والانترت والطفرة الكبيرة فى وسائل الإعلام، أسهمت أيضا بجزء آخر .
المهم أن المصرى البسيط، يدرك جيدا ما يدور من حوله، ولم يعد مستقبلا فقط لكثير من المعلومات التى تصله ليلا ونهارا، فهو يسمع ويرى ويحلل وينتقى ما يفيده، ويختار ما يريده، ويرفض كل ما يتصادم مع قناعاته.

هذه مقدمة ضرورية، يمكن أن تساعد فى تفسير ما هو قادم، فقد التقيت واحدا من المصريين البسطاء أخيرا، ودار بيننا حوار سياسي، أنقل تفاصيله الرئيسية فى السطور التالية، مع الاحتفاظ بعدم ذكر اسم صاحبه، لأن ما يهمنى معنى ومغزى ما قاله الرجل، الذى وصف نفسه بالمصرى الحزين، حزين على الحال الذى وصلت إليه النخبة، فمصر تستحق أفضل من ذلك، وحزين لأن هذه النخبة فشلت فى الاقتراب من نبض الناس، وتتحمل التباعد الطارئ فى المسافة بين الرئيس والجماهير العريضة التى اختارته لتحمل المسئولية فى مرحلة حرجة.

قبل أن أساله عن تفاصيل موقفه وسبب اكفهرار وجهه وحزنه العميق، عاجلنى بالتوقف عند حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية والأربعين لنصر أكتوبر، وهو حديث يضاف إلى سلسلة أخرى من الأحاديث الكاشفة، والتى تسير فى اتجاه، بينما كلام ما يسمى النخبة يسير فى اتجاه مقابل، لأن هذه النوعية من الأحاديث تحمل الكثير من المضامين الشفافة، وتفضح زيف بعض القطاعات، الإعلامية والسياسية والدينية، التى تزعم الحديث باسم الرئيس، وتسوق نفسها على أنها قريبة من دوائر صناعة القرار، الأمر الذى يسيء لصانع القرار الحقيقي.

توقف المصرى البائس، عند مجموعة كبيرة من القضايا، تؤكد عمق الفجوة بين الرئيس، ومن يحلو لهم ادعاء الحديث باسمه، وما ترتب عليها من مشكلات، أحدثت صخبا ولغطا فى البلاد، كانت فى غنى عنه، من بينها الضجة الكبيرة التى أثارها البعض عندما تطوعوا بالمطالبة بضرورة تعديل الدستور، لمجرد أن الرئيس السيسي، قال جملة عابرة، نوه فيها إلى أن الدستور كتب بنية حسنة، والدول لا تبنى بالنيات الحسنة.

من هنا انفجرت ماسورة مياه ملوثة من بعض الإعلاميين، وفهموا أن إشارة الرئيس توحى بتهيئة الملعب لتعديل الدستور، ولم تصمت الحملة ويخرس القائمون عليها، إلا عندما ألمح الرئيس أخيرا أن ما قصده من الحديث عن النيات الحسنة التى كتب بها الدستور، لا يعنى التعديل، لكن بعد أن كاد يصدق الناس أن هناك رغبة رسمية فى زيادة صلاحيات الرئيس .

الفجوة الثانية الواضحة التى رصدها المصرى الحزين بين الرئيس والواقع، تتعلق بالسباق الواضح بين غالبية الأحزاب، لتقديم نفسها باعتبارها الظهير السياسى له، فمع أن الرئيس السيسي، تحدث مرارا وتكرارا حول عدم انتمائه لحزب معين، ولا يرغب فى ذلك، والدستور يحول دونه، غير أن محاولات الالتصاق به عنوة، أوجدت انطباعات لدى الناس، عكس ما يريده الرئيس، فهناك حزب أو كتلة، نجحت فى تحقيق اختراق، وبدت كأنها الظهير السياسى الوحيد للرئيس، وهنا توقف صاحبنا مستفسرا، ماذا أفعل حيال ما أراه أمامى من تفاصيل تعزز موقف مدعى حب الرئيس، ولم تجد من يوقف زحفها ؟

عندما تكون شعبية الرئيس كبيرة تمنح المصريين أحد عناصر الأمان المطلوبة فى المرحلة الراهنة، وتعطى الرئيس قوة مضاعفة للمضى قدما فى طريقه، لكن ما تقوم به الأحزاب، النبيلة والخبيثة، من جرى للالتحاق بركب الرئيس عنوة، تتلاشى بعض رسائله الإيجابية، لأن أخطاء الأحزاب، وهى كثيرة، سوف تقع على عاتقه، ومن الصعوبة أن يصدق المواطن البسيط، عدم مسئوليته عن ذلك، فالصمت على تجاوزات البعض، حتى لو كانت أغراضها عظيمة، يعنى القبول بها، وهذه طامة يجب أن تتوقف، خشية أن تتزايد تأثيراتها السلبية.

أنا حزين أيضا، هكذا تفوه صاحبنا، عندما تطرق للتراشق بين أنصار ثورة 25 يناير ومؤيدى ثورة 30 يونيو، لأن هناك من يتعمد إحداث قطيعة بين الثورتين، مع أن الرئيس والدستور والخطاب السياسي، أكدوا أهميتهما ووضعهما فى مرتبة واحدة وعلى قدم المساواة، والمشكلة أن تكريس الانفصام بينهما، يؤدى إلى المزيد من الارتباك فى المشهد السياسي، يجنى ثماره من يتربصون شرا بالبلاد، ومن يريدون تعطيل مسيرة الرئيس لإعادة اللحمة الوطنية، فالخطاب الزاعق، خاصة من قبل الفريق المنحاز فقط لثورة يونيو، والسكوت عنه، وفـر لبعض الدوائر فرصة للحديث عن ردة سياسية، تزعم تمهيد الطريق لتسرب روافد نظام حسنى مبارك إلى دواليب السلطة تدريجيا.

مصدر حزن صاحبنا هنا، أن هذا التوجه، يفضى إلى توسيع الهوة بين الرئيس والجماهير، فالشوشرة السياسية حول ثورة يناير، تؤثر على فكرة انتصار الرئيس للشباب والكفاءات، وتقلل من أهمية تحركاته لانصاف هؤلاء وهؤلاء، وفى النهاية من الواجب وضع حد لعمليات غسيل السمعة السياسية التى تتم على حساب التوجهات العامة للدولة.

ختم صاحبنا فضفضته، بملاحظته حول الفجوة الظاهرة بين مطالب تجديد الخطاب الديني، وما يحدث من ترسيخ للخطاب التقليدي، مطالبا بفضح كل من يروج لمواقف دينية أو سياسية خادعة، ومساواته بمن ينشر أخبارا كاذبة، ففى الحالتين تحدث بلبلة، يمكن أن تترتب عليها مشكلات، كفيلة بأن تجعل المصريين حزانى على ما وصلوا إليه، بعد أن كانوا متفائلين .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف