الوطن
محمد صلاح البدرى
عندما تعشقها قصيرة!!
أنظر إليها فى فتور اعتدته وأنا أجيبها حين سألتنى ببرود مماثل عن المكان الذى يدفعون فيه اشتراك الرحلة.

- عندك هناك فى الكافيتريا!!

لم تثر انتباهى من قبل.. ولكنها حين فعلت.. بذلت كل ما أملك من جهد كى لا يظهر هذا الاهتمام على ملامحى.. يبدو أننى فشلت فشلاً ذريعاً.. فأصحابها يتهامسون ضاحكين حين يرونى منذ ذلك اليوم!! يبدو أن الأمر مفضوح للغاية!

إنه العام الأخير فى دراستى الطويلة جداً.. إنه ذلك العام الذى لا تمتلك فيه ترف التفكير فى أى شىء آخر سوى أطنان الكتب التى عليك حفظها ثم كتابتها بالكامل فى ورقة الامتحان وفى ثلاث ساعات فقط!! ولكننى -ولسبب لا أعرفه- وجدت نفسى أبحث عنها يومياً دون كلل.. أتأمل مشيتها السريعة التى يخيّل إليك أنها ستصطدم بشىء ما إذا استمرت بها.. قصيرة هى.. ولهذا فهى ترتدى حذاءً ذا كعب طويل للغاية.. لا أعتقد أنه من السهل أن يتقن المرء السير بهذا الحذاء وبهذه السرعة.. لقد أعجبتنى مهارتها فى الأغلب!!

لن يتوقف الأمر عند الإعجاب الصامت.. سوف يتطور حتماً.. كنت أتوقع هذه الحقيقة.. وكنت محقاً!!

٢ - أتأملها كما لو كانت المرة الأولى.. فاتنة كانت بكل تأكيد.. كل النساء يصبحن فاتنات فى ثوب العرس الأبيض.. ولكننى أعرف أنها فاتنة فى كل وقت.. لأنها الحقيقة أولاً.. ولأنه من الأفضل أن أقتنع بهذه الحقيقة منذ اللحظة.. فهى الآن زوجتى..

لقد مرت فترة الخطوبة سريعاً.. ربما أسرع من أن أكتشفها بالكامل أو تكتشفنى!!.. ولكن الأمر قد انتهى بالفعل.. سوف يصبح لدينا متسع من الوقت للبحث عن عيوب الآخر.. فقط ليس اليوم.. فاليوم يوم عرسى!!

٣ - تنظر إلىّ فى هدوء ينبثق من ملامحها الدقيقة.. لم تكن طباعها هادئة كملامحها.. ولكن يبدو أنها استسلمت لطباعى الحادة سريعاً.. أعرف أننى من النوع الذى لا يطلق عليه «زوج صالح».. ولكنها لم تقاوم كثيراً..

إنها ليلة امتحان الماجستير.. لقد أرهقتها طيلة الشهور السابقة بالفعل.. بين مزاج متقلب وأطنان من القهوة الداكنة.. ولكنها صبرت واحتسبت!! سوف تدخل الجنة بسببى فى الأغلب.. وبسبب تلك الطفلة المزعجة التى ترفض أن تتوقف عن البكاء إلا إذا حملتها بين يديها ووقفت بها!!

لقد كُتب عليها أن تحتمل كل التقلبات المزاجية للسلالة بالكامل.. ولكنها احتملت..!

٤ - سنوات عدة مرت على زواجنا.. وأطفال ثلاثة يحملون نفس طباعى الحادة.. لقد بدأت أشفق عليها.. لم أكن سأحتمل مثلما فعلت.. ولم أكن سأرتضى أن أضحى بعملى (إذا افترضنا أن طبيب الأشعة يعمل أصلاً) من أجل هؤلاء الأوغاد الذين يحملون اسمى.. ولكنها صبرت وما زالت..

لقد اعتادت أن تصبح الصخرة التى يتكسر عليها الموج.. والمخبأ الذى يحتوينى على حين أبحث عن ملجأ من براكين الحياة.. ما زالت دقيقة الملامح.. ما زالت هادئة.. ما زالت قصيرة.. ما زالت وستظل.. زوجتى التى عشقتها..!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف