حافظ أبو سعدة
قمة مكافحة العنف والإرهاب
على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السبعين، التى عقدت بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، خصص اجتماع للنقاش حول العنف والإرهاب لدراسة الظاهرة التى تحولت إلى إرهاب يهدد الدول والمجتمعات بالتفكك والانهيار، ودارت نقاشات كثيرة حول أسباب العنف والإرهاب فى منطقتنا بشكل خاص، لا سيما أن العالم تحرك لمواجهة إرهاب تنظيم داعش فى سوريا والعراق، بينما اعتبرت بعض القوى الكبرى أن تنظيمات مشابهة وتستخدم الإرهاب والعنف، لكنها فى نظر بعض الدول هى تنظيمات معتدلة.
طرحت نظريات عدة لتفسير ظاهرة العنف والإرهاب، البعض أرجعها لنظرية تقول إن الفقر هو البيئة التى ينشأ فيها الإرهاب أو البيئة الحاضنة، وهى بيئة تصلح للجريمة بشكل عام، عصابات المخدرات، لكنها تعجز عن تفسير ظاهرة العنف الذى يقوم على أسباب أيديولوجية وعقائدية، بهدف فرض التصورات المعتقدية على المجتمع، فهذه النظرية تعجز عن تفسير نشأة عناصر إرهابية شديدة الخطورة فى مجتمعات تنعم بقدر من رغد الحياة، ومنها قيادات حركات مثل تنظيم القاعدة الذى يقوده «بن لادن» وهو من أسرة ثرية سعودية وأيمن الظواهرى وهو من أسرة تعيش فى حى المعادى بالقاهرة ومن عائلة معروفة.
نظرية أخرى تعتمد على مقولة إن غياب الديمقراطية أو انتهاكات حقوق الإنسان هى السبب فى نشأة الإرهاب وهى فى الحقيقة تصطدم بظاهرة تجنيد داعش لشباب أوروبى من ألمانيا وإنجلترا وفرنسا بلغ حتى الآن الآلاف الذين آمنوا بأيديولوجية داعش وانضموا إليها كمقاتلين وأغلبهم جاءوا من دول راسخة فى الديمقراطية وحقوق الإنسان، طبعاً لا شك انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة وانسداد سبل التغير تؤدى إلى التمرد والعصيان، كما أكد ذلك الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى ديباجته، إلا أننا نتحدث عن تنظيمات إرهابية تتبنى أيديولوجية أحادية لإقامة نظام محدد لا يعترف بالاختلاف ولا بالديمقراطية لانتقال السلطة.
وتحتاج هذه النظرية إلى مزيد من النقاشات، فإذا كانت أعمال العنف والإرهاب نتاجاً لغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان فكان يجب أن تكون هذه المبادئ هى الغاية، أو أن تكون مطالب هذه الجماعات هى الديمقراطية أو تطبيق حقوق الإنسان، لكن المناطق التى سيطر فيها هؤلاء وأقاموا نظم حكم فى سوريا وليبيا شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قتل المعارضين والمخالفين وكذلك قتل أصحاب الأديان الأخرى كالمسيحيين الذين قتلوا فى ليبيا من مصريين وإثيوبيين، والأيزيديين فى العراق.
بالطبع تعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان هدف نبيل وأساسى، إلا إذا كان غياب هذه المبادئ يؤدى مباشرة إلى العنف المستند إلى أيديولوجية.
الخطير أن هناك مناقشات على هامش قمة الأمم المتحدة تناولت ظاهرة العنف من هذه الزاوية وانتهت إلى توصيات خطيرة موجهة للدول الكبرى وبوجه خاص الولايات المتحدة الأمريكية، بعودة الوصاية الدولية على بعض الدول، مثل: سوريا وليبيا واليمن، ونموذج ناميبيا، ووضع حظر على تسليح الدول التى لا تطبق الديمقراطية لا سيما تلك الدول التى تحارب الإرهاب، خاصة أن القوى الإرهابية تحصل على الأسلحة، بما فى ذلك الأسلحة الثقيلة عبر التهريب وتهدد باجتياح شبيه لما حدث فى سوريا والعراق، لذلك فإن خطورة هذه الأفكار والتوصيات أنها تعمل على تمهيد الطريق للقوى الإرهابية للسيطرة على مزيد من الأراضى وإقامة أنظمة لا تقيم ديمقراطية ولا تحترم حقوق الإنسان، ولعل ليبيا نموذج، فكل المناطق التى تسيطر عليها تنظيمات إرهابية ترتكب فيها فظاعات وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
الإرهاب والعنف هما تنظيمان لديهما أيديولوجية ومعتقد، نحن بحاجة إلى استراتيجية تقوم على بعدين، الأول هو حرب ضد الأفكار وهى تتطلب تطوير وتحديث الخطاب الدينى، البعد الثانى هو هزيمة هذه التنظيمات المسلحة عبر تعاون دولى واسع.