بيننا صانعو معجزات يتوضأون بطهارة البطولات لكننا لا نراهم ولا نعرفهم ولا يتصدرون المشهد وهم الأجدر بشرف الصدارة وهم من تليق بهم الصدارة، لكن اختلال القيم جعل من يقفز على الوطن نوعيات المتلاعبين بأقداره وصانعى متفجراته والمتاجرين بآلامه ومعاناته والمفسدين ومبدعى الفساد ومدعى الوطنية والشعارات والجالسين على جميع الموائد أو المتربصين دوماً لإشاعة اليأس وقتل الروح التى صنعت النصر وهزمت المستحيلات.. بيننا أنقياء يملكون احتياطياً كافياً من الإرادة يبدو أمامه المستحيل هزيلاً، وبيننا ضآلة بشر وضلالات فكر ونفوس ضالة. الأنقياء يمتلكون فصاحة الولاء وعنفوان الإرادة وشموخ الروح. الأدعياء يمتلكون المزايدات والرخص والعهر والكبر، يعشش بداخلهم ظلام دامس أو جهل مبين أو جينات فساد متأصلة.
الأنقياء أوفياء منحهم الله شجاعة باسلة وحساً وطنياً كامل الوهج، وانتصار الوطن قضيتهم الأولى والوحيدة.. منحهم الله سلاماً داخلياً أنيقاً خارج نص التشرد بين القيم، إنهم جبال ولكن تسجد لله وللوطن بكامل التواضع والإيثار والعطاء، فالوطنية لديهم إيمان وعقيدة. الأدعياء مفلسون لديهم فائض من الأنانية ويعملون لجيوبهم ويسجدون لمصالحهم ويخلصون لأنفسهم.. إنهم أثرياء نضال مزيف أو لصوص قضايا كبرى. أغلب ما تمتلك مصر من أنقياء لا يجيدون تسويق بطولاتهم أو علمهم ولا يتاجرون بفاخر وطنيتهم ويمتلكون روحاً لا يخفت بريقها ولا يصيبها الوهن.. إنهم إرادة تمشى على الأرض بكامل العنفوان. ومن يمتلك الإيمان والولاء والروح والمقدرة قلما تخذله أحلامه، فالروح قوة قاهرة تحطم ما نظن أنه لا يقهر.. من هذه الفصيلة أبطال مصر الذين ذاقوا الهزيمة فى 67 وخلقوا الإرادة فى حرب الاستنزاف وصنعوا النصر فى 73،
عاشوا برباعية «الأمل والهدف والولاء والانتماء» فصنعوا الانتصار ووضعت الحرب أوزارها ولكن روحهم ما زالت منتصبة وهذه الروح نحتاجها الآن ونحن فى حروب متنوعة تتكالب علينا ولكننا نتذكرها عندما يقترب السادس من أكتوبر بينما نحن فى احتياج لتجتاحنا وتلبسنا كل يوم وليلة وليس عدة أيام فى شهر أكتوبر ثم ننسى كعادتنا.
وافر من الفرحة الممزوجة بالانبهار تأتى كل عام مع سماع حقائق وأحداث لا تنتهى من سجل بطولات الجيش المصرى ونتساءل أين هؤلاء الرائعون من مشهد يعج بوجوه ونفوس غابرة تشع علينا بؤساً ويأساً أو تسوّق نفسها بحثاً عن الفساد.
الأنقياء الأوفياء الذين نصروا مصر سلالة من المصريين أصبح لا علاقة لها بما نراه الآن من أشباه بشر وما نشهده من صراعات ونظرة للوطن باعتباره غنيمة وليس باعتباره مقدساً.. إنهم المعدن الحقيقى للمصريين الذين شوهتهم قيم رخيصة وتدين بشكل مزيف وما زال هؤلاء نموذجاً للتدين فى أرقى أشكاله. أحمد المنصورى فى ضيافة لميس الحديدى يلخص نوعية الرجال الأنقياء ويبث روحاً جامحة وبهاء الشموخ والعزة والكرامة والانتماء فتاريخه كتاريخ أغلب الأبطال يتوهج بروح وعطاء وعقيدة تقديم الوطن على أى روح فالوطن هو الأعلى والأهم. «المنصورى» بروحه القتالية وبقسمه الذى أقسمه أمام «عبدالناصر»: «لن ترى سلامى حتى أذوق الموت»، استطاع بطائرة ميج 21 بها صاروخان و50 لتراً وينفد وقودها بعد ساعة واحدة أن يدخل وزميل له معركة مع 6 طائرات فانتوم، هى الأحدث والأقوى وقتها، بمجموع 12 طياراً و48 صاروخاً ووقود 3 ساعات، واستطاع فى الـ30 ثانية الأولى إسقاط طائرة رأس الحربة فى هذه المعركة.
وبرغم أن قواعد الطيران لهذه الطائرة تنص على القفز منها فى حالة نفاد الوقود وإلا قتلت من فيها فإن أحداً لا يقفز لأنه ملتزم بالقسم، ولأن هذه الطائرة كانت غالية الثمن ولا يستطيع أن يضحى بها. انتصر «المنصورى» فى هذه المعركة وسجل معجزة وعرفوه فى إسرائيل بالطيار المجنون.
تاريخ «المنصورى» وغيره آلاف من الأبطال يستحق أن يروى وأن نستمع إليه وأن يلهمنا الحماس وينقل إلينا عدوى هذه الروح المتقدة المتوهجة فهذه الروح وهذه السلالة الرائعة هى ما يحتاجها الوطن للتخلص من ألد أعدائه فإسرائيل ليست عدواً بحجم الجهل والفساد والإهمال والإرهاب والادعاء.
عندما تتمعن فى الإرادة أنت حتماً تعرف كيف تنتصر بروح لا تعرف الانكسار.. هذه الروح قادرة على أن تنجب أحلاماً ونصراً مبيناً مستمراً.