الوفد
علاء عريبى
قتلوا السادات بأموال العرب
واقعة مقتل الرئيس أنور السادات لا يجب تحميلها فقط لمن نفذوها، وهم خالد الإسلامبولى، وحسين عباس، وعبود الزمر، وعطا طايل، وعبدالحميد عبدالسلام، ففى ظنى أن هؤلاء مجرد أداة قتل، تم شحنهم وبرمجتهم وقاموا بتنفيذ الجريمة، أما الجناة الحقيقيون فهم من شحنوا الرأي العام بفكرة القتل، وهؤلاء هم بعض النخب الدينية والسياسية، والحديث فى تفصيل الواقعة يوضح لنا أمرين على قدر كبير من الخطورة، الأول: اختراق بعض البلدان العربية لآلية صياغة الرأى العام المصرى، والثاني: قيام بعض النخب (مقابل أجر) بتهيئة الرأى العام لقتل الرئيس السادات.
قصة الواقعة تعود إلى سنوات ما قبل (أكتوبر 1981) نجاح مجموعة الإسلامبولى كأدوات فى تنفيذ العملية، وعلى وجه التحديد فترة التفاوض حول بنود للسلام مع إسرائيل، أيامها عاد السادات لنظرائه العرب، ورفض قيادات البعث السورى والعراقى(حافظ الأسد، وصدام حسين)، وقام صدام فى اجتماع شهير بتهديد جميع الزعماء العرب بالقتل فى حالة مساعدة أنور السادات، وقامت مخابرات البعث ورموزه بترويج اتهامات الخيانة والعمالة، وروجوا عبر البلدان الخليجية فقه التكفير والقتل، وأهدرت دماء السادات لأنه (حسب الفكر البعثى) عميل، و(حسب الفقه النفطى) خائن خرج عن اجماع المسلمين وتحالف مع الكفرة أعداء الله، فقد كان المطلوب أن يظل الجيش المصرى يحارب حتى آخر جندى.
وهذه الأفكار خطط بمهارة لصياغة رأى عام عربى وإسلامى بها، وذلك لمحاصرة السادات وإثارة الشعب المصرى ضده، بغرض عزله أو قتله، ولتنفيذ هذا المخطط تم استخدام النخب بمختلف أيديولوجيتها (اليسارى والإسلامى)، وتم التركيز على النخب المصرية، ففتحت بوابة السفريات والسفارات (العراق والبلدان الخليجية) والمكافآت والهدايا والجوائز، والكتابة بالدولار، ودعوات العشاء فى السفارات، وصرف رواتب شهرية للبعض(إسلامى وعلمانى)، وتزعم البعض فى اليسار المصرى والتيار الإسلامي فكر واتهامات البعث، بقصد وبدون قصد، وأصبح أنور السادات بطل نصر أكتوبر أكبر خائن ومارق فى تاريخ البلدان الإسلامية، لأنه وقع، على حد زعمهم ـ آنذاك ـ سلاماً منفرداً، ولأنه وضع يده فى يد الصهاينة وبعض الأراضي العربية مازالت محتلة، وقد تاجر قيادات البعث أيامها (عبر النخب المصرية) بالقضية الفلسطينية، واستغلوا المشاعر الدينية بمهارة وحرفية، وخلال الفترة ما بين 1977 و 1981، كان الرأى العام العربى بشكل عام، والمصرى على وجه التحديد قد تم تهيئته لقتل الخائن الذى ضرب الوحدة الإسلامية وتخلى عن تحرير المسجد الأقصى.
فى صبيحة 6 أكتوبر 1981، فوجئنا جميعاً بأداة القتل، مجموعة الإسلامبولى التى تم شحنها بفكر العمالة وفقه الخيانة والتكفير، وهى تنفذ حكم الإعدام الذى أصدرته قيادات البعث، وروجت لاتهاماته وحيثياته بعض النخب فى اليسار المصرى والتيار الإسلامي مقابل أجر(هدية، سفرية، جائزة، دعوة على العشاء..)
والذى يعود لأوراق القضية سيجد أن الأجهزة الأمنية قد انتبهت لدور الأفكار فى الجريمة،حيث قامت بالتحقيق مع الشيخ عمر عبدالرحمن بتهمة إصدار فتوى بقتل السادات، وقضت المحكمة ببراءته، وإن كانت هذه الخطوة توضح انتباه الأجهزة الأمنية آنذاك للأفكار التى قتلت السادات، لكنها للأسف تؤكد تركيزها فقط على فكر التيار الإسلامي، وعدم انتباهها لفكر النخب العلمانية الذين شحنوا وأوعزوا لرموز وقيادات التيار الإسلامي بفتوى القتل.
لا أقصد من هذا المقال أن نفتح ملفات قضية مقتل السادات، وإعادة محاكمة من هيأوا الرأى العام لقتل السادات، بل يعنيني فى المقام الأول أن ننتبه جيدا لمصادر صياغة الرأى العام، والتى قد يساهم البعض في اختراقها لصالح الغير مقابل: دعوة على العشاء، سفرية، هدية، حفنة دولارات شهرية ..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف