الوفد
أشرف عزب
«لقمة عيش مرًّة«
وأنت تكتب في لحظات الانتصار والفخر والشموخ وعزة النفس والكرامة تجد الكلمات تسبق القلم ، والمشاعر تخرج من القلب إلي الورق لتتحول إلي جمل وسطور تهتز فرحاً وشموخاً.
42 سنة مرت علي انتصار حرب أكتوبر العظيمة، 42 سنة مرت ونحن نحتفل بعودة الكرامة لنا ، 42 سنة مرت وأنت تحتفي بالشهداء والدماء والتضحيات التي قدمها جنودنا الشرفاء لاسترداد الأرض من المغتصب.
ولكن وسط هذه الأفراح والاحتفالات لابد أن ندرك أن هناك جيلاً كاملاً تجاوز من العمر الأربعين لم يعرف عن حرب أكتوبر سوي الاحتفالات والأغاني ، لم يعرف عن حرب أكتوبر إلا القليل عن طريق مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي جسدت بعض بطولات هذه الحرب العظيمة، وتتغذي مشاعره بالأغاني الوطنية التي تلهبه الحماس وتشعره بالفخر لهذا الانتصار.
هذا الجيل الآن أصبح يسمع ويشاهد نفس الأغاني ونفس الأفلام كل عام في يوم واحد فقط وبعدها يعود كما كان ، يعود لحياته وما حولها ، يعود فريسة لمشاكل التعليم والصحة والروتين الإداري منكباً علي همه.
هذا الجيل يتعرض لأبشع أنواع الضغوط والحروب النفسية التي جعلت من صافيناز أكثر الكلمات بحثاً علي الإنترنت ، وجعلت من أفلام السبكي أعلي الإيرادات، هذا الجيل سيصبح الاحتفال بذكري النصر عنده يوماً جميلاً لأنه سيحصل علي إجازة من عمله ليس إلا ، وسيكون شعوره بالفخر وبعزه الانتصار مجرد شعار يرفع في مناسبة ليوم واحد.
نعم الاحتفال بذكري النصر شيء جميل وهام جداَ ولكن الأجمل منه أن نبحث عن طرق جديدة للاحتفال ، نسأل أنفسنا كم من المصانع التي بنيناها ؟ هل قضينا علي مشاكل الفقر ؟ ماذا فعلنا ؟، هل قضينا علي الفساد ؟ هل تمت محاسبة الموظف المسئول عن إنتهاك حرمات المواطن وتعذيبه تحت اسم الروتين ؟
هل قمنا بانتاج أفلام أخري تجسد لنا بطولات جديدة عن هذه الحرب العظيمة لمواجهه أفلام المقاولات والعري والاسفاف التي تلاحقنا حتي لو خصصنا ضرائب أرباح هذه الأفلام المسفة لإنتاج أفلام قيمة.
هل قضينا علي الرشوة؟ هل وضعنا معايير لاختيار الوزراء والمسئولين؟ هل أصلحنا من طريقة عيشنا نحن؟ هل التزمنا بالقانون وكان هو المعيار الفاصل بيننا؟ هل تم إلغاء كلمة الفهلوة من قاموس تعاملاتنا اليومية؟ .... كثير من الأسئلة التي يجب أن نجيب عنها وفوراً مرة واحدة بلا تجزئة أو إجابات ناقصة.
وسط هذا الانتصار والاحتفال بذكراه، تشاهد فيديو لضرب عامل مصري في أحد مطاعم الأردن وهو ثابت في مكانه يتلقي الضربة تلو الأخري، مرة علي وجهه وأخري علي رأسه وهو مكتوف اليدين ثابت ليس بعزة نفس بل بكسرة نفس وإذلال للحفاظ علي لقمة عيشه التي هرب من مصر ليبحث عنها خارجها ، وبعد أن تحركه كثرة الصفعات علي وجهه وتدفعه الضربات خلفاً ثم يقع علي الأرض من الألم ، يأتي هؤلاء الجبناء ليضربوه بالأقدام وكأنه ليس عاملاً بل عبد، وليس إنساناً بل شيء آخر ، شلت أيديكم وأرجلكم أيها الجبناء ،
ولا أدري لماذا لم يدافع المصري عن نفسه ، لماذا لم يرد الصاع صاعين وثلاثة ، هل شعر أن مصر لن تحميه ؟ هل شلت يداه خوفاً علي رزقه ولقمة عيشه ؟ .. « ملعون أبوها دي لقمة عيش «يا مصري».
ألم تشاهد كيف ضحي إخوانك لعودة الكرامة ، كم من الثمن دفع رجالنا البواسل لاسترداد العزة ، كم من الأمهات والأزواج صرخن فرحاً علي الابن والزوج لأنه نال الشهادة ، كم وكم من البطولات التي لم نسمع عنها ومازالت حبيسة الأدراج.. ثم تأتي أنت بعد ذلك أيها المواطن المصري لتفرط في كرامتك التي هي من كرامة مصر شئت أم أبيت لأسباب لابد أن ترويها لنا أنت بصراحة شديدة حتي نتعلم منك درساً قاسياً ، ونعرف من كان السبب في هذا الاستسلام المهين ، ونحاسبه أو نعالج هذا الخلل حتي لا نستيقظ علي ضربة أخري علي وجه ابن من أبناء مصر في أي بلد كانت.
أعلم جيداً أن المشاعر كلها متداخلة فرحاً بذكري النصر وحزناً علي التفريط في كرامة المواطن المصري ، أو أن يسمح مواطناً مصرياً في التفريط في كرامة بلده ، نحن في أوقات يجب أن تتحول فيها الكلمات إلي أفعال ، والأفعال إلي إنجاز حقيقي لخدمة هذا الوطن وهذا المواطن .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف