الوفد
عباس الطرابيلى
كورنيش السيد المحافظ
معارك عديدة ـ ولا تؤجل ـ يخوضها الدكتور جلال مصطفي سعيد محافظ القاهرة. بعضها برز علي السطح بسبب الانفلات الأمني وضعف القوانين والاجراءات مثل ظاهرة الباعة الجائلين.. وظاهرة التوك توك وكارثة تراكم مشكلة ازدحام شوارع العاصمة، وعجز الجراجات عن استيعاب عدد السيارات. وفوق كل ذلك كوارث مؤجلة من سنوات عديدة، في مقدمتها، ظاهرة العشوائيات وتزايد عدد العقارات الآيلة للسقوط.. ثم نظافة القاهرة ومواجهة مشكلة القمامة..
ورغم كل ذلك، والجهود المبذولة، إلا أن ذلك لم يمنع محافظ العاصمة من أن يحاول إعادة لمسات الجمال التي كانت تتمتع بها القاهرة، وبالذات في القاهرة الخديوية.. ولكن اهتمامه بهذه القاهرة الخديوية لم يمنعه ـ وكل جهازه ـ من أن يفكر في حل لمشكلة تراكم القمامة فوق أسطح بيوت المناطق الشعبية. وما مشروع زراعة أسطح منطقة الدرب الأحمر، إلا محاولة لن تنجح كل النجاح إلا بمشاركة شعبية جادة..
ووسط كل ذلك يمتد فكر المحافظ ـ والمحافظة ـ إلي تجميل واجهة العاصمة.. وما نهر النيل إلا هذه الواجهة التي يحلم المحافظ بتحويلها لمنطقة نزهة يلجأ إليها الناس طلبا لنسمة هواء نظيفة. وحديقة يستمتع بها الناس.. خصوصا أن العاصمة تحتاج إلي المزيد من الحدائق..
<< وتعيد محاولة الدكتور جلال سعيد لتجميل واجهة القاهرةـ علي شط النيل ـ المحاولة القديمة الأشهر، مع بداية ثورة 23 يوليو..وأقصد بها مشروع كورنيش النيل الذي نفذه وأشرف علي تنفيذه قائد الجناح عبداللطيف البغدادي، عندما كان وزيراً للبلدية والقروية يوم 17 ابريل 1954. وقام مشروعه علي انشاء طريق على طول امتداد الشاطئ من شبرا الخيمة شمالاً مروراً بروض الفرج وحتي كوبري قصر النيل وامتداده إلي ما بعد ركن الملك فاروق، عند حلوان.
ونجح المشروع في انشاء طريق مزدوج ـ في معظمه ـ ونجح بالذات في اقتطاع جزء من حديقة السفارة البريطانية ـ في قصر الدوبارة ـ ليسمح بامتداد الكورنيش إذ كانت الحديقة تطل مباشرة علي شط النيل وهكذا امتد المشروع الي دير النحاس حيث سور العيون والملك الصالح، إلي مصر القديمة ثم منطقة أثر النبي حيث وضع بدايات انشاء ميناء نهري هناك بما يحتاجه من انشاء طريق علوي في هذه المنطقة.. وتحول الكورنيش إلي واجهة طيبة للعاصمة..
ولكن كان ذلك منذ حوالي 61 عاماً. عندما كان عدد سكان مصر أقل من 30 مليوناً.. وسكان العاصمة حول أربعة ملايين نسمة.. ووقتها كان القاهرى يلجأ إلي شط النيل، يبحث عن نسمة هواء علي الكورنيش أو علي أشهر كباريها: أبو العلا ـ قصر النيل ـ ومحمد علي بالمنيل وكوبري عباس ـ أمام المنيل ـ ثم امتداده كوبري الملك الصالح..
<< وكانت أشهر منطقة للنزهة هي روض الفرج. ثم ما بين كوبري أبو العلا وكوبري قصر النيل ـ وكانت كل منهما واجهة يلجأ إليها السكان وقت العصاري، إما للنزهة علي شط النيل. أو ينزل إلي أحد القوارب الشراعية أو يتمشي علي الكوبري!! وكانت أياماً..
وبعد أن احتلت بعض الهيئات مساحات كبيرة من شط النيل ضاقت المساحات المسموح للناس- العاديين- عن استيعاب الباحثين عن نسمة هواء ساعة الأصيل. هنا تحرك الدكتور جلال سعيد محافظ العاصمة لكي يعيد الكورنيش للناس البسطاء . للباحثين عن لحظة صفاء خصوصاً بعد أن زادت تكاليف الفسحة علي شط النيل.. ويكفي أن تعرف كم أصبح سعر كوب «الحلبسة» أي حمص الشام أو ثمن زجاجة المياه الغازية، أو حتي كوب الشاي.. وإذا اعترضت علي هذه الأسعار يقول لك الباعة.. «يا باشا أنت بتشتري ثمن المكان» يعني هو اللي دفع ثمن المكان!!
<< من هنا يجيء مشروع محافظ العاصمة «بإعادة افتتاح كورنيش العاصمة» لتوفير أماكن للغلابة علي امتداد النيل.. علي أن يشمل المشروع توفير مساحات خضراء، أي حدائق ومماشي، علي غرار ما تم من سنوات علي المساحة من كوبري قصر النيل إلي كوبري 6 أكتوبر، موازياً لحديقتي الأسماك والنزهة..
ولما كنت أعلم حرص المحافظ علي توفير هذه المماشي الخضراء فإنني أتمني ألا يستولي عليها «لصوص المتعة الحلال» أي يسرقها لصوص الجمال ويحتكرون استغلالها.. وبذلك يحرمون الغلابة من المشروع الجديد.. وحتي تكتمل خدمة هذا المشروع للغلابة.. لماذا لا يوجه المحافظ دعوة للقادرين للمساهمة معه في تنفيذ المشروع. أي لتنفيذ المشروع بالتمويل الذاتي. حتي ولو بالتبرع بتقديم عدة مقاعد خشبية توضع في الحدائق، بشرط أن نكتب اسم المتبرع علي كل مقعد.
<< نعم نحن نحتاج إلي احياء فكرة التبرع للعمل العام. وهنا أتذكر مشروعاً رائداً لإنشاء كورنيش جديد لمدينة دمياط. ومشروعاً آخر لمصيف رأس البر، علي النيل أيضا. ولم تتحمل المحافظة أعباء تذكر في المشروعين.. إذ قام محافظ دمياط أيامها الدكتور فتحي البرادعي بدعوة رجال الأعمال من الدمايطة، وشجعهم علي التبرع لإنقاذ شط النيل وبذلك قدم المحافظ كورنيشا رائعا ما كانت تحلم به المدينة واستطاع الدكتور البرادعي ان يزيل كل الاعتداءات علي طول الكورنيش.. أي أعاد الكورنيش للغلابة الباحثين عن نسمة هواء ومكان نظيف يتمشي فيه الناس..
<< وهذا ما أحلم أن ينفذه محافظ القاهرة الدكتور جلال مصطفي سعيد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف