الأهرام
د/ شوقى علام
أخلاقيات العملية الانتخابية (2)
انتهينا فى المقال السابق إلى أن الأخلاق هى جزء من ديننا وأن نمارس سلوكياتنا بناء عليها، وإذا كنا فى حاجة ماسة إلى ربط السلوك بالأخلاق الحميدة التى ينص عليها شرعنا الشريف إلا أننا فى حاجة شديدة ومُلحِّة إلى ذلك فى العملية الانتخابية.

وهذا الربط وإن كان أمرًا أخلاقيا فهو مسئولية وواجب فى المقام الأول على كل فرد فى المجتمع له حق المشاركة فى الانتخابات. وإذا كنا قد بينا بعض أخلاق المرشح نفسه لمجلس النواب، فإننا نضيف اليوم خلقا مهما له وهو أنه أن يكون أمينا فى نفسه، صادقا فى وعده، ومن تمام هذه الأمانة وذلك الصدق ألا يستخدم المال فى تحقيق أغراضه الانتخابية بالتأثير على إرادة الناخبين عن طريق إغرائهم أو استغلال حاجتهم إلى المال، ويستوى فى تحمله لهذه المسئولية الأخلاقية أن يقوم بذلك بنفسه أو بواسطة غيره، ويتحمل هذا الغير المسئولية الأخلاقية على فعله، لأنه ساعد بتوسطه على ارتكاب ما هو مخالف للشرع والقانون.

ثم إن الشرع الشريف حرم الخداع والكذب بقوله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِى إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُتب عند الله صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» (أخرجه البخارى ومسلم).

ومعنى البر هنا أى مجامع الخير كله، والفجور يعنى مجامع الشر كله، والحديث فيه الدلالة على وجوب الصدق والالتزام به والمداومة عليه، وفيه الدلالة على حرمة الكذب والابتعاد عنه.

وأما من ناحية الناخب فإن عليه مسئولية أهم وأكبر، تنبع من الأساس فى اختيار أعضاء البرلمان، وهذه المسئولية ذات اتجاهين كل منهما مرتبط بالآخر، فمن ناحية : أنه أمين على نفسه ووطنه فى التحرى لاختيار الأكفأ والأقدر على تحمل تلك التبعة الكبرى، خاصة إذا كانت بين عدد من المرشحين، وهذا مبنى على أن تصويت الناخب يُعَدُّ نوعًا من الشهادة وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالشهادة بالحق فقال عز وجل: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)[الطلاق:2]. وذكر النبى صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة تضييع الأمانة بأن يُوَسَّد الأمر إلى غير أهله، فقال لمن سأله : متى الساعة ؟ : «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» ( رواه البخاري). ولا ريب أن إعطاء الأصوات لمن ليس أهلًا للعضوية وليس قادرا على القيام بمهامها فيه مساعدة على إسناد الأمر لغير أهله مما يؤدى إلى تضييع الأمانة التى حذرنا النبى صلى الله عليه وسلم منها، والقاعدة الشرعية أنه «ما أدى إلى محرم فهو محرم».

ومن ناحية أخرى فإن التصويت فى الانتخابات هو من الواجبات الوطنية التى تدل على الوعى المجتمعى والحرص على تحقيق الصالح العام، ولا شك أن البرلمان تناط به أعمال كبيرة تعوِّل الدولة عليها فى تسيير مرافقها العامة وإيجاد الحلول لما يعرض لها من مشكلات، ومن ثم فإن الواجب يقتضى خروج جموع الناخبين للإدلاء بأصواتهم لاختيار الأكفأ من بين المرشحين لهذه العضوية؛ إذ لو تُرِكَ الأمرُ دون مشاركة حقيقية فاعلة من أبناء الشعب فإنه قد يصل إلى هذه العضوية من ليس بكفء لها ولا قادر على القيام بالأعمال المحققة للمصلحة العامة. ومن هنا فإنه تقع على عاتق الناخبين مسئولية كبيرة فى الخروج لأداء هذا الواجب الذى هو نوع من الشهادة، التى حث الله تعالى على أدائها على وجهها وعدم كتمانها فقال سبحانه : (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[البقرة:283].

وهذا كله يعطى دلالة على تقدم المصريين ووعيهم بقضاياهم الهامة التى تأخذ بهم إلى مستقبل زاهر واعد، ولا شك أن الأمم إنما تقاس فى تحضرها ورقيها بحسن الاختيار المبنى على إقبال كثيف، ومصر هى رائدة فى بناء الدولة فقد بنت أول دولة فى التاريخ، أيمكن أن تعجز الآن على أن تعطى البرهان أنها ما زالت قادرة على التحضر والتمدين؟ الأمر الذى لا جدال حوله أن واقعنا وتاريخنا يدل على قدرتنا أن نفعل إن توفرت الإرادة الحقيقة لدينا.

إن العملية الانتخابية من الأهمية بمكان لا يخفى على أحد، ولذا وجب على كل فئات الشعب المشاركة فيها بالطريقة التى حددها القانون، وبالنوايا الخالصة لله من أجل هذا الوطن العزيز، مع التفاعل التام والعمل على إنجاحها وإخراجها فى صورة تليق بهذا البلد العريق الذى أعطانا الكثير، وينتظر منا الحفاظ عليه وعلى مقدراته ومؤسساته، ليعم الازدهار أرجاء الوطن، وتشيع روح العمل والأمل الذى بهما تتطور وتتقدم الأمم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف