كان انتصار أكتوبر حدثا اسثنائيا في حياتنا.. عشنا تفاصيله وشاركنا في صنعه ربما بشكل غير مباشر ولكن مؤثر.. ولذلك قصة لا تنسي.. ففي واحدة من خطبه أعلن الرئيس الراحل أنور السادات أن العام 72 سيكون عام الحسم.. عام تحرير سيناء من المحتل الصهيوني.. ولكن ظروفا سياسية عالمية غير مواتية جعلت القيادة السياسية غير قادرة علي الوفاء بتعهدها.. فاندلعت المظاهرات الساخطة والغاضبة و¢الساخرة¢ في الجامعات.. وفهم الجميع من تفاعل السادات مع هذه التظاهرات الغاضبة ان العبور قريب وان ملحمة النصر دخلت ميقات العد التنازلي.
كان انتصار أكتوبر هو الإنجاز الذي جعلنا نتيه فخرا ونرتفع برؤسنا إلي عنان السماء.. الذي جعلنا نتمني لو نطوف العالم لنقول لكل من نقابلهم إننا مصريون.. وإننا إخوة وأبناء وأحفاد الأبطال العظام الذين اذهلوا العالم واسقطوا أساطير عسكرية وغيروا نظريات وأسسوا علوما لا تزال وستظل تدرس لسنوات وسنوات.
كان انتصار أكتوبر هو الفرحة الكبري التي لا أظن ان مشاعرنا عاشت مثلها بعد ذلك.. كان أخر الإنجازات العظيمة علي امتداد حقبة استمرت اكثر من 4 عقود.. توقفت خلالها عجلة الابداع وتوارت العبقرية المصرية خلف مراحل من التراجع غير المبرر والانهيار غير المفهوم في جميع المجالات.
تحول انتصار أكتوبر إلي ذكري نحتفل بها كل عام.. إلي حفل غنائي ولقاءات تقليدية مع بعض الأبطال الذين لا يزالون علي قيد الحياة اطال الله في اعمارهم.. تحول إلي تاريخ يدرس وماض يُستدعي من الذاكرة في المناسبات.. اما روح أكتوبر فقد توارت.. حتي أصبحنا نعاني من خمول شامل وفقدان للشهية الوطنية.
ما الذي حدث؟.. هل اكتفينا من المجد بمجد الانتصار.. هل استنفد العبور العظيم كل ما نملك من إرادة.. هل أصابنا الوهن وسيطرت علينا اللامبالاة.
انتصار أكتوبر الذي ننعم بظلاله الآن وغدا.. الذي نتذكره بفخر بعد أن فقدنا أي سبب آخر للفخر.. سوي الانتماء لوطن عظيم صنع ¢في الماضي¢ حضارة غير مسبوقة.. دفع ثمنه رجال حملوا أرواحهم علي أكفهم من أجلنا.. جادوا بدمائهم لكي نعبر من الانكسار إلي الفخار.. فماذا فعلنا نحن للوطن وماذا نفعل؟.. كنا في مقدمة العالم النامي وأصبحنا في المؤخرة.. فهل هكذا نرد الجميل لمن منحونا أجمل المشاعر وأعادوا لنا قطعة غالية من الوطن؟.
مصر التي نريدها لأبنائنا وأحفادنا.. مصر التي تخلي عنها أبناؤها علي امتداد عقود.. أحوج ما تكون الآن إلي روح أكتوبر.. ليس علي طريقة الشعارات التي لا تتحقق.. ولكن علي طريقة لحظة الإلهام الكبري التي فجرت قناة السويس الجديدة.. والتي خلقت حالة من الحماس والتوحد بين الشعب والقيادة.. نخشي أن تخبو سريعا إذا ما استمرت قواتنا المسلحة هي الوكيل الحصري للإنجاز والانتاج والانضباط.. فيما يكتفي معظمنا بالمشاهدة.
نظامنا التعليمي الفاسد يحتاج إلي ثورة تستلهم روح أكتوبر.. نظامنا الصحي الذي كان أحد عوامل فخرنا.. قبل أن ينهار تماما ويصبح وصمة عار في جبيننا.. يحتاج إلي روح أكتوبر.. حتي نتخلص نهائيا من تلك الصورة المؤسفة لمرضي يتسولون العلاج أو يموتون بالإهمال علي أبواب المستشفيات أو داخلها.. مواجهة الانفلات المخيف في الشارع وتفشي انعدام الضمير وفساد الذمم وانهيار الاخلاق تحتاج إلي روح أكتوبر.
قواتنا المسلحة عبرت المستحيل في أكتوبر 73.. فهل نستطيع تكرار العبور لنستعيد ذاكرة المجد ونصبح بحق ¢أم الدنيا وقد الدنيا¢.