عندما تحين ذكري انتصارات أكتوبر العظيمة كل عام ..تفيض الأجواء المصرية بالذكريات المجيدة ـ تملأ النفوس فخرا وعزة ووطنية .. ورغم أن وسائل الإعلام والمؤرخين وكبار الخبراء العسكريين أفاضوا بالكثير عن الحكايات والمواقف والبطولات التي بقيت من الحرب .. وعاشت في الوجدان المصري لتقدم صورة واضحة للإنسان المصري عند الشدائد .. وكيف يثور لكرامته وعزة وطنه .. إلا أن بحر أسرار الحرب مازال يحتفظ بالكثير والكثير من الحكايات والأسرار المثيرة والمواقف المشرفة للعسكرية المصرية علي مر التاريخ .. وأهم ما يلفت الأنظار أثناء أجواء الحرب إبراز دور المصريين كشعب وهو يقف بصلابة وتحد خلف قواته المسلحة .. الكل علي قلب رجل واحد .. يسعي لتحقيق هدف واحد .. حتي أن محاضر الشرطة في جميع أقسام مصر لم تسجل بلاغا واحداً أثناء الحرب .. ففي هذا الوقت العصيب كلنا جنود مقاتلون من أجل مصر .. ولعل أهم ما نتوقف عنده كثيراً .. المعاناة الشديدة التي عاشها الزعيم الراحل أنور السادات قبل شن الحرب وهو يفكر لحظة بلحظة في مصير مصر.. ومذاكرة الأجواء الدولية المحيطة بنا.. ومدي يقظة العدو الصهيوني حتي اتخذ قراره التاريخي ونجح رجال مصر البواسل في رد اعتبارنا وحفظ كرامتنا أمام دهشة العالم كله .. ثم كلل السادات خبطاته المدوية بقرار تاريخي عندما وقع علي معاهدة السلام في كامب ديفيد ونال احترام العالم كله.. في تلك الفترة المهمة جداً في عمر الوطن.. كان جليا انعكاس مرحلة الحرب علينا نحن المصريين .. فقد تركت في نفوسنا سلوكيات رائعة تؤكد مصريتنا .. عاشها ونشأ عليها أبناء جيل أكتوبر.. لكن اليوم .. انقلب حالنا إلي الأسوأ .. وربما أكثر .. فأصبحنا نعيش وسط أجواء البلطجة والخروج علي القانون .. والتنكر لدور الدولة فيما تقدمه من خدمات ونتندر علي ما يصدر من قرارات .. ولا نحترم القوانين .. ونشجع الفساد ونصفق للفاسدين .. وندير ظهورنا للمجتهدين .. أصبحنا ننام أكثر مما نصحو .. نتخاذل أكثر مما نعمل .. كل ما يهمنا أن نأخذ ـ نأخذ فقط ـ لكن نقدم ما علينا من واجبات.. لا ! بالتأكيد ـ نحن الآن أحوج ما نكون لاستلهام روح أكتوبر بكل ما فيها من أصالة وجدية ووطنية واحترام .. نحتاجها بشدة لنزيح من طريقنا آفات الظلام التي تظلل حياتنا .. وادخلت علي نفوسنا اليأس والكآبة والتشاؤم .. والاستغراق في التفكير والهم والغم .. وفي النهاية تفترسنا الأمراض الخطيرة .. يارب اللهم احفظ مصر.