الوطن
د. محمود خليل
الناس حتقعد فى الشارع
كلام لافت جاء فى حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا باستبعاد «سما المصرى» من خوض الانتخابات البرلمانية، من أبرز عباراته ما قالته المحكمة من أن: «طيب الخصال من الصفات الحميدة المتطلبة فى الفرد بصفة عامة، وفى عضو مجلس النواب بصفة خاصة، باعتبار أنه بدون توافر هذه الصفات تختل الأوضاع وتضطرب القيم فى جميع مناحى عمله البرلمانى». وأكدت المحكمة أنها اطلعت على المقاطع التى حوتها الأسطوانات المدمجة التى تضمنتها بعض البرامج والحوارات التليفزيونية التى أُجريت مع «المصرى»، وتناولها الكثير من وسائل الإعلام المختلفة والمتاح مشاهدتها للكافة، موضحة أنه تبين للمحكمة إقدام سما المصرى على مجموعة من التصرفات بما يخرجها عن المسلك القويم، والتمسك بحسن الخلق، وتوشحها بالحياء اللازم للمرأة.

طبعاً المحكمة تستحق الشكر على حرصها على الأخلاق الحميدة، والسجايا القويمة، وضرورة توافرها فى المرشح للانتخابات البرلمانية، وقد حكم القاضى بما رأى وشاهد. ولو أننا تركنا هذا الحكم جانباً ومددنا الخط على استقامته وبدأنا نناقش فكرة «الأخلاق» وضرورة توافرها فى شخص البرلمانى، فقد نجد أنفسنا فى مأزق حقيقى، ربما تكون المرشحة المستبعدة «سما المصرى» قد أتت بسلوكيات يستهجنها المجتمع الذى يتعالى على الغرائز ولا يخضع أو يحب الاستجابة لها، ويفضل العقل فى القول وفى الفعل! لكن هذا المجتمع نفسه الذى يزعم التأفف من مخاطبة الغرائز، أو توظيفها فى استثارة الجمهور، كثيراً ما يتقبل آفات ومزالق أخلاقية أخطر تتناقض مع ما يقره العقل أو التفكير السليم، لعلك تذكر كتيبة «نواب الكيف» وكتيبة «نواب القروض» وكتيبة «نواب الفساد» من تلامذة مدرسة الحزب الوطنى المنحل، وكلنا يعلم أن أعضاء سابقين كثيرين من المنتمين إلى هذا الحزب سيخوضون الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأن المال الحرام يمكن أن يلعب دوراً محسوساً فى حصد المقاعد، وأظن أن «الكيف» أو «السرقة» أو «الفساد» من الخصال الفاسدة التى يجب أن يبرأ منها النائب المحترم.

تعال بعد ذلك إلى من يفضلون التجارة بالدين وتوظيفه فى سوق السياسة، وجعله مركباً لتحقيق أهداف دنيوية، وسبيلاً لحصد المال والجاه والنفوذ، وطريقاً للتحكم فى رقاب العباد، تعال إلى بشر لا يتوانون عن اتهام من يرى فى سلوكهم هذا عيباً أو مثلبة أخلاقية بالمروق والحيود عن دائرة الإيمان. هل من يتاجر بالعفة المصطنعة والأخلاق المزيفة أقل سفاهة ممن لا يرى عيباً فى مخاطبة الغرائز البشرية؟ إن التجارة بالدين فى تقديرى خرق لكل القيم والفضائل لا يعلوه خرق.

أتصور أن الحكم الذى قضت به الإدارية العليا ينبغى أن يمتد ليشمل كل نواب الشعب، وكما أقرت اللجنة ضرورة أن يتمتع المرشح باللياقة الصحية، فمن الضرورى أن تشتمل الشروط -ولو مستقبلاً- على اللياقة الأخلاقية، بحيث يكون نواب الشعب هم خير من فى الشعب، لكننى أخشى أن نجد أنفسنا عاجزين عن إيجاد مرشحين وتشكيل مجلس نواب، عملاً بتلك المقولة الشهيرة التى جاءت على لسان عادل إمام فى مسرحية «شاهد ما شافش حاجة»: «لو كل واحد عزّل عشان ساكنة فوقيه رقاصة.. الناس كلها حتقعد فى الشارع يا سعادة البيه»!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف