المساء
خيرية البشلاوى
كيف غيرت الحرب الأولي السينما إلي الأبد؟!
اعتاد المخرج الفرنسي مارسيل لاربيير "1888 ـ 1979" وهو مخرج حاصل علي وسام الشرف وكان أول رئيس لمعهد الدراسات العليا السينمائية "ايديك".. اعتاد أن يقول عن الحرب العالمية الأولي ¢كنت وجها لوجه مع الحقيقة المفزعة¢ علي الرغم من أنه لم يقترب من ميدان القتال وأمضي مدة ا لحرب في باريس حيث كان يعمل في قسم التصوير السينمائي التابع للجيش وكانت المادة المصورة تأتيه كل يوم لتقلب حياته رأسا علي عقب وتجعله وكأنه يعيش في قلب المعارك.
يتذكر في كتاب عن ¢السينما والحرب¢: كان كل شيء يتم تصويره يوضع بين أيدينا حتي نقوم بعمل المونتاج ونختار من بينها اللقطات التي يمكن عرضها فكنا نشاهد المناظر المرعبة للجنود الذين يسقطون في المعارك. والرؤوس والأطراف التي تنفصل عن أجسادهم. ويتحولون إلي اشلاء.. تلك الصدمة كشفت لي ضرورة أن أكون مخرجا سينمائيا.
تلك الذكريات تذكرنا بأن الحرب العظمي الأولي هي أول حرب تدور معاركها أمام كاميرات التصوير ومن ثم تحول ميدان القتال إلي مجال للإدراك ومعرفة كنة الحروب والمعارك في الجو وعلي الأرض بعد أن يتم نقله إلي الجبهة الداخلية من خلال الكاميرا بفعل الكاميرا قفزت الدعاية "البروباجندا" العسكرية من صفحات الصحف إلي الشاشة وأصبح التأثير أكثر عمقا بما لا يقاس وقد عبر ذلك الباحث والمنظر والفيلسوف الفرنسي بول فيرليو "مواليد 1939" في كتابه المهم ¢الحرب والسينما¢... أصبح ميدان الحرب نفسه بالنسبة للجمهور وكأنه أحد الأفلام.. وعلي الجبهة زادت سرعة الإدراك والوعي لدي الجنود وكأن عيونهم تحولت في اتجاه الكاميرات.
بعد عام 1918 استمرت تقنيات السينما في تعميق مفهوم الحرب بطريقة صادمة استطاعت أن تحول حياة شخصية مثل "لاربيير" المخرج والمثقف والرياضي المشهور. فمن ذا الذي لم تتغير حياته بوقائع الحرب؟ لقد غيرت الحرب كل شئ وكان الفيلم أحد العوامل الرئيسية التي حققت هذا التغيير كذلك غيرت الحرب ظروف صناعة السينما في فرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة بل أن شكل الفيلم تغير بفعل الحرب مما يعني أن كل فيلم نراه حاليا هو بمعني من المعاني فيلم الحرب العالمية الأولي.
بالنسبة للسينما الفرنسية كانت الحرب أشبه بكارثة وانهيار مفاجئ. فقد استأثرت شركتا ¢باتيه¢ و¢جومونت¢ السينمائيتان الشهيرتان بوضعية عالمية ممتازة قبل عام 1914 أي قبل الحرب ثم بعد الحرب توقفتا عن الإنتاج وأصبحت السينما الفرنسية في الأغلب تعتمد في نشاطها وإنتاجها علي شركات فنية صغيرة تجاهد للوصول إلي الأسواق خارج حدودها.
ورغم ذلك أنجزت أعمالا عظيمة عن الحرب العالمية الأولي مثل فيلم ¢إني أتهم¢ 1919 للمخرج آبل جانس Abel Gance الذي يقدم قصة شاعر رقيق ذهب إلي ميدان الحرب وعاد مدمرا إلي قريته حيث الأرامل والأمهات اللاتي يمزقهن الحزن والألم.
وانتعشت أيضا صناعة السينما الألمانية إبان الحرب وكانت الحرب نفسها سببا في انطلاقها حيث أولت القيادة العليا الألمانية صناعة الفيلم اهتماما بالغا وكان من نتيجتها تأسيس شركة ¢أوفا¢ UFA التي تطورت بعد الحرب وأصبحت أكثر شركات السينما تقدما علي المستوي التقني في العالم. فأنتجت الأفلام الكوميدية والرومانسية والخيالية والتاريخية الاستعراضية التي أغرقت حقبة العشرينات التي تلت الحرب مباشرة.. ولم تحتل الحرب العالمية الأولي مكانة تذكر في هذه الشركة إلا بعد عام 1927 عندما سقطت الشركة في أيدي ¢الفريد هيونبرج¢ وهو رأسمالي كبير و أحد أساطين الصناعة الألمانية وناشر وواحد من الذين دعموا هتلر القائد النازي .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف