الصباح
سليمان جودة
صاحب دكتوراه.. بألف جنيه!
يوم الأربعاء قبل الماضى، تظاهر عدد من الشباب الذين يحملون درجة الماجستير والدكتوراه، أمام مجلس الوزراء، وكانوا يطلبون التعيين فى وظائف الحكومة.
وفى اليوم التالى، قالت الصحف إن الشرطة قد طاردت هؤلاء الشباب، وقال واحد منهم إن الأمر لم يتوقف عند حدود المطاردة، وأن بعضهم قد تعرض للسحل على يد أفراد فى جهاز الشرطة!.. بل إن عددًا منهم، قد جرى إلقاء القبض عليه، لولا أن تدخلت نقابة المحامين، للإفراج عنهم، لأن بينهم محامين!
وكان وجه الألم للذين تابعوا الموضوع مضاعفًا، لأنه قد جاء اليوم الذى يتظاهر فيه صاحب الدكتوراه، طلبًا لوظيفة فى الحكومة.. ولأن صاحب الدكتوراه هذا، قد طورد من الشرطة، إلى حد السحل!
وكانت بدعة تعيين أصحاب الدكتوراه والماجستير، قد بدأت، أيام أن كان الإخوانى عصام شرف، رئيسًا للحكومة، وقد كانت أيامه أيامًا سوداء حقًا، لأنه هو الذى شجع طالبى العمل، وغير العمل، على التظاهر وقطع الطرق، بل وشجعهم على ذلك، إلى حد التهاون الفادح فى حق المجتمع إزائهم.. ثم إنه هو نفسه، الذى كان قد استجاب لعدد من حاملى الماجستير والدكتوراه، وأعطى كل واحد منهم وظيفة فى الحكومة بألف جنيه فى الشهر!
وعندما يتخرج الشاب فى الجامعة، ثم يحصل على الماجستير من بعد الليسانس، أو البكالوريوس، ومن بعد هذا كله يحصل على الدكتوراه ثم لا يجد عملًا، ولا يجده إلا بالتظاهر وبألف جنيه شهريًا، فمعنى هذا أنك أمام نظام تعليمى فاسد من أوله إلى آخره!
إن الواحد منا يتقبل أن يتظاهر حاملو الدبلومات، طلبًا للعمل، أو حتى يتظاهر حاملو الدرجات الجامعية.. أما أن يكون المتظاهر، من الذين أرسوا حتى درجة الماجستير، ومن بعدها الدكتوراه ولا يجد عملًا.. أى عمل.. ولا يكون أمله فى النهاية، سوى وظيفة بألف جنيه.. فما أشد بؤس التعليم عندنا فى كل مراحله!
إننى أفهم، أن تتخطف الشركات والمؤسسات، حملة الماجستير والدكتوراه، وأن تكون وظائفهم محجوزة فيها مسبقًا، وألا يمكث الواحد منهم ساعة فى بيته، بينما هو صاحب ماجستير، وصاحب دكتوراه!
أفهم هذا، ولا أفهم غيره، فإذا حدث ما هو دونه، فالعيب قطعًا ليس فى سوق العمل الذى لم يستعن بهم ولم يتخطفهم من أول لحظة.. العيب، عندئذ، ليس فى سوق العمل، الذى لن يتوانى بطبيعته، عن اجتذاب كل صاحب موهبة، وكل صاحب عقل، وكل صاحب ابتكار!
فالمؤكد أنه لا نصيب لحامل الماجستير فى سوق عمل بلاده، إذا كانت الصلة بينه وبين العقل، والابتكار، والموهبة، منقطعة.
ذلك أن العبرة فى الماجستير أو الدكتوراه ليست فى أن يكون عندنا طالب لهما، ولا أن يكون هذا الطالب عنده رسالة مكتوبة قد ناقشها، أمام لجنة من عدة أساتذة.. لا.. العبرة ليست فى هذا كله فقط، لأن سنوات أخيرة قد مرت علينا، سمعنا فيها ورأينا، أصحاب ماجستير ودكتوراه، يحصلون على هذه الدرجات الرفيعة، دون أن يكونوا مؤهلين فى المستوى الأدنى لها.. والله وحده أعلم، بالطريقة التى يحصل بها أغلبهم على مثل هذه الدرجة العلمية الرفيعة!.. ولكن العبرة، فى النهاية، فى أن يكون حامل هذه الدرجات العلمية الكبرى، يليق بها، وتليق به، فكرًا، وعقلًا.
وإذا كان حاملو الماجستير، والدكتوراه، لا يجدون عملًا، فما الحال مع حملة الدبلومات والبكالوريوسات؟!
إن المؤلم حقًا أن التعليم الذى يتظاهر أبناؤه وخريجوه من حاملى الماجستير والدكتوراه، سعيًا وراء وظيفة حكومية، ثم لا يجدون، لا يشكل أى أولوية لدى أصحاب القرار فى البلد، حتى الآن!.. فهذا ما يقلق فعلًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف