كمال الهلباوى
هموم اسلامية فى أفغانستان 3- 2
وصلنا مدينة هيرات حيث المؤتمر مساء الخميس أول أكتوبر، بعد رحلة طويلة استغرقت أكثر من 15 ساعة، ما بين ركوب الطائرة وانتظار طائرة أخرى، لقطع مسافة لاتستغرق أكثر من أربع أو خمس ساعات على الأكثر. قابلت فى مطار كابل وفى الطائرة إلى هيرات بعض الأصدقاء القدامى، وفرضت الذكريات السابقة، حوارًا فيه حب وعتاب ومراجعات. وطبعًا الأوضاع فى العالم العربى وخصوصا مصر كانت، على رأس الأولويات والحوار.
بدأ المؤتمر صباح الجمعة ثانى أيام أكتوبر، وظهرت الجلسة الافتتاحية، بتلاوة من القرآن الكريم، ثم السلام الوطنى، ثم الاستشهاد ببعض كلمات للخوجة عبدالله أنصارى من كبار العلماء القدامى، «وهو غير الشيخ عبدالله الأنصارى رجل أعمال الخير المعاصر رحمه الله تعالى»، ثم أناشيد وأغانٍ صوفية، ثم كلمة الترحيب بالضيوف التى ألقاها رئيس المجلس الاستشارى لمعهد الدراسات الاستراتيجية وزير الخارجية الأسبق د. رانجين دادفار سباتنا. وبعد ذلك جاء دور محافظ هيرات للترحيب بالضيوف، وختمت الجلسة الافتتاحية بكلمة وزير خارجية الهند السابق سلمان خورشيد. طبعًا إذا تحدث وزير خارجية الهند فى الجلسة الافتتاحية، فى مؤتمر أفغانى فى هيرات، فهذا يشير بوضوح إلى التعاون الواسع مع الهند، فى ضوء التعاون أو الصراع فى المنطقة وخصوصا مع الجارتين الكبيرتين باكستان وإيران.
ناقشت جلسات المؤتمر فى اليوم الأول المحاور الآتية.
أولاً: الأبعاد الأخلاقية والسياسية بالتركيز على الأفكار والمؤسسات والممارسات.
ثانيًا: الدولة والتحديات التى تواجه المرأة المسلمة.
ثالثًا: الإسلام والآخر، مواجهات وسوء فهم وحوار.
رابعًا: حقبة التحول الأفغانى: الفرص والصعوبات.
وجاء ختام اليوم الأول الطويل للمؤتمر، والحوار المتعدد، فى رحاب حفل أقامه على شرف المدعوين مجلس بلدية هيرات، فى قلعة هيرات حيث يقام المؤتمر. وتتلخص برامج الحفل فى فقرة الأناشيد والأغانى الصوفية بالتعاون بين فرقة أناشيد أفغانية وأخرى إيرانية، لأن مدينة هيرات- تقع كما ذكرنا سابقا – على الحدود الغربية الأفغانية الإيرانية. فهى تقع غرب أفغانستان وشرق إيران.
ثم جاء دور العشاء فى ساحة القلعة فى جو مفتوح وجميل، وكانت فرصة أخرى لمزيد من التعارف على الخبراء والمشاركين فى المؤتمر عمومًا.
وجاء اليوم الثانى للمؤتمر، وكان علينا أن نجهز حقائبنا بعد الإفطار مباشرة، استعدادًا للمغادرة إلى كابل بعد حوار ومناقشات اليوم الثانى مباشرة. حوار اليوم الثانى للمؤتمر تناول المحاور الآتية، بعد فترة الأناشيد الصوفية التى يتبركون بها، والتى أصبحت فقرة ثابتة فى بداية كل يوم من المؤتمر ونهايته:
أولًا: الأبعاد الثقافية والاجتماعية ( الإعلام والتعليم والقانون).
ثانيًا: مدرسة هيرات الأمنية ( المفاهيم، الممارسات، وعلاقتها بالمعاصرة).
ثالثًا: الطريق إلى المستقبل، وهذا المحور يلخص التوصيات، وما ينبغى عمله. لقهر الإرهاب والتشدد ولعلاج التحديات القائمة وتحسين العلاقات بين الجيران.
رابعًا: كلمة الشكر والختام من الدكتور داود مراديان، مدير معهد الدراسات الاستراتيجية فى هيرات.
طبعًا كان من الضرورى لإحسان الختام، الاستماع إلى الموسيقى والأناشيد الصوفية، مرة أخرى مما ينم عن حالة فهم الإسلام وممارسته فى المنطقة وطبيعة الدعوة فيها.
واليوم يشعر الإنسان بالسعادة، حيث يحل الحوار والنقاش السلمى والعقلى والمنطقى فى أفغانستان، محل البندقية والدبابة والصراع بالأيدى والآليات، وحيث تتحول الاستراتيجيات فى أفغانستان اليوم إلى البناء والتطوير بدلًا من الهدم والتدمير. وقد وجدت فى المؤتمر أحد دعاة الطالبان رغم أن بعض جلسات المؤتمر كانت للحوار حول دور المرأة، وبمشاركة أساسية من المرأة وظل الرجل يتابع الجلسة رغم موقف طالبان المعروف من المرأة فى أفغانستان. هناك تغيير ملموس فى أفغانستان التى دمرتها الحروب، وأنهكتها الصراعات، ولكنها تحاول أن تمر من النفق المظلم، لكى ترى النور وتشم الهواء النقى. ذكرنى بعض المشاركين فى المؤتمر بكتيب كتبته أثناء الجهاد عن « دور الشباب الأفغانى فى بناء أفغانستان المستقبل». وكتيب آخر عن ضرورة التنمية فى أفغانستان والخطط اللازمة لذلك، ولم يهتم بالكتاب من قادة المجاهدين الكبار اهتمامًا لائقًا، إلا الشهيد أحمد شاه مسعود رحمه الله تعالى، حيث أمر بترجمة الكتاب إلى الفارسية ليطلع عليه أعوانه وقادة ألويته خصوصا، وطلب المناقشة حول ماجاء فيه. رحم الله تعالى الرجل كان صاحب عقل وفكر استراتيجى ولذلك قتلوه مبكرًا.
والله الموفق