محكمة بريطانية حكمت بالسجن لمدة خمس سنوات على أم، بتهمة الإهمال فى حق أطفالها، ما أدى إلى وفاة أحدهم غرقاً فى حمام سباحة خارج المنزل، عندما كانت منشغلة بتبادل الصور والتعليقات على صفحتها على «الفيس بوك». تخيل كم شخصاً فى مصر وحول العالم «الفسفس» تلهيه مواقع التواصل الاجتماعى عن أمور قد تكون أكثر قيمة وأهمية، وكم يخسر من الوقت وهو جالس أمام شاشة الحاسب «يشيت» مع فلان وعلان، فى حين يغفل عن أولاده، البعض لا يكتفى بالوقت الذى يقضيه فى العمل وانصرافه عن متابعة الأبناء خلاله، ويقضى بقية يومه أمام مواقع التواصل الاجتماعى، بل إن البعض ينصرف عن العمل أثناء وجوده فيه إلى الحديث مع «طوب الأرض» عبر الـ«فيس» أو الـ«واتس أب» أو الـ«إنستجرام»، وغيرها من وسائط تتيحها التكنولوجيا الحديثة.
الإنسان هو الإنسان بغض النظر عن المكان، أو مستوى التعليم أو التحضر، فما فعلته تلك الأم البريطانية تفعله غيرها من الأمهات فى كل دول العالم، بما فيها مصر بالطبع. فبعد أن كان التليفون هو الوسيلة المفضلة للرغى والتسلية، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى هى الأكثر إثارة للتواصل، على صفحة الـ«فيس» أو الـ«إنستجرام»، تضع إحداهن صورتها، وتجلس فى انتظار التعليقات التى تتحدث عن القمر الذى يطل فى الكادر، أو الطلة البهية لصاحبة الوجه الصبوح، أو الهلة الرائعة التى هلت بها على أصدقائها على الصفحة، أو يضع أحدهم شكواه عن إحساسه بالضجر، أو إصابته بإنفلونزا حادة، أو نجاته من حادث سيارة، أو وفاة عزيز لديه، ثم يمكث فى انتظار التعليقات التى تتمنى له صفاء النفس، وراحة البدن، والسلامة من السوء، أو الصبر والسلوان. لم يعد للبعض شغلة ولا مشغلة إلا ذلك.
كل اختراع بشرى له سلبياته وإيجابياته، وقد أتاحت التكنولوجيا للإنسان الكثير من الأدوات التى يمكن أن تحسن مستوى معيشته وأدائه، ومن السفه ألا تبصر العين البشرية فى هذه المخترعات سوى الجوانب السلبية. ثمة فائدة كبرى فى التواصل مع العالم، وثمة معلومات وأفكار مهمة يمكن أن يحصل عليها الإنسان، بإمكانها أن تحسن مستوى أدائه لو استفاد منها، مثل المعلومات التى يمكنه الحصول عليها، حال التواصل مع المجموعة المهنية التى ينتمى إليها، أو من خلال التواصل مع المواقع والصفحات التى تعتنى بقضايا الثقافة والعلم والفكر والفن. والعاقل يجب ألا يعطى وسائل التواصل الاجتماعى أكثر مما تستحق، وعليه أن يستوعب أن الأطفال فقط هم الذين لا يجيدون التفرقة بين العام والخاص، فليس من اللائق أن يجعل الإنسان من صفحته وسيلة لنشر خصوصياته أو نفث صرخاته الشخصية، أو استجلاب التعاطف أو الإعجاب من الآخرين. إنها أفعال طفولية يجب أن ينأى عنها الكبار. التجربة القاسية التى وقعت فيها تلك الأم البريطانية تقدم درساً لمن أصابهم مرض إدمان مواقع التواصل الاجتماعى، على الجميع أن يتعلم منه، ويفهم أن لو كان القانون يطبق على المهملين بسبب غرقهم فى بحار التواصل، لضاقت السجون بمن فيها!