الأهرام
أحمد عبد التواب
هــل تصـــير ســــما المصــرى شـــــهيدة؟
الأسباب المعلنة لشطب سما المصرى من قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية أخطر من أن يجرى التشويش عليها بالطرق المعهودة التى تخرج عن صلب الموضوع، بأن يعلن أحد التحفظ على طبيعة عملها أو على شخصيتها أو على مواقفها فى الحياة بعيداً عن الموضوع المطروح الخاص بإغماط حقها كمواطنة فى الترشح للانتخابات. ذلك أن شطبَها يطرح مسائل على درجة عالية من الخطورة تتجاوز حدود واقعة الشطب وتضع قاعدة قد يتعرض لها آخرون هم أبعد ما يكون عن سما وشخصيتها وطبيعة عملها ومواقفها فى الحياة.

جاء فى حيثيات حُكم المحكمة الإدارية العليا أنه: «تبين للمحكمة إقدامها (سما المصرى) على مجموعة من التصرفات بما يُخرجها من المسلك القويم والتمسك بحُسن الخُلُق..إلخ».

وأما المبدأ المهم الذى اعتمدت عليه المحكمة فى ثبوت التهمة، كما جاء فى الحيثيات بالنص، بأن: «طيب الخصال لا يحتاج فى التدليل على نقصه صدور أحكام قضائية خاصة بها، إنما يكفى فى هذا المقام وجود دلائل أو شبهات قوية فى هذا الشأن، وتلقى ظلالاً من الشك على شخص المترشح حتى يتسم بسوء الخصال..إلخ».

لسنا بصدد مناقشة حكم قضائى، لأن الجدير بالنظر هنا هو هذا المبدأ الذى يقبل الأخذ بالشبهات ويجيز الإعراض عن إجراء تحقيقات مع المتهم تتوافر فيها شروط قانونية معينة قبل أن يُعرَض المتهم على محكمة تُتاح له فيها فرصة الدفاع عن نفسه. أما أن يُدان دون جريمة ينص عليها القانون ودون محاكمة يدافع فيها عن نفسه، فهذا أمر خطير، إذا مرَّ فى واقعة سما المصرى، فإنه يصبح تهديداً لغيرها فى تهم أخرى وفى ملابسات مختلفة.

وقد أحسن الدكتور محمد نور فرحات، وهو الفقيه القانونى المعتبر الذى يُقدِّر الاحترام الواجب للقضاء ولأحكامه، عندما قال بألفاظ واضحة قوية إن الحكم بافتقاد سما المصرى شرط حُسن السمعة دون أن تُدان قضائياً بجريمة يعاقِب عليها القانون يعيدنا إلى عصور محاكم التفتيش!

كما أعربت التعليقات الأولى على بعض مواقع التواصل الاجتماعى عن تعجب كثيرين من أن هناك صعوبات تعرقل استصدار حكم مماثل ضد أعداد ممن تضمهم القوائم الانتخابية ممن أفسدوا الحياة السياسية عن جدارة وأثروا ثراء فاحشاً من استغلال النفوذ، ومن دعاة التكفير والإرهاب والمحرضين على العنف وأصحاب خطاب الكراهية الذى يهدد الوحدة الوطنية! والتقط البعض الاختلاف فى الأسباب بين شطب كل من أحمد عز وسما المصرى، من نفس المحكمة فى نفس اليوم، حيث كان السبب فى حالة أحمد عز إجرائياً لم يتعرض لشخصه ولا لخصاله التى تمجها قطاعات عريضة من المواطنين ويرون أنها تسببت فى كوارث هائلة للوطن وللمواطنين. وقال آخرون إن الجديرين حقاً بالإدانة هم أعداد غفيرة من السياسيين ومن الإعلاميين ومن رجال الدين الرسميين وغير الرسميين، الذين يؤكدون يومياً سوء سمعتهم المحقق وخروجهم على المسلك القويم بكل سفور!

وفرضت بعض الأسئلة نفسها، مثل: هل نحن فى حاجة إلى تشريعات جديدة تضمن حق المتهم فى وجوب التحقيق معه بناءً على تهمة محددة ينص عليها القانون، وأن تُتاح له كل شروط الدفاع فى محاكمة عادلة؟ وإذا كانت الدولة، تحت ضغط مستمر من الرأى العام، قد وضعت بعض الضوابط التى تُحدّ من لجوء الأفراد للحسبة، بعد تجارب مريرة استنزفت البلاد عبر سنوات، فما هو السند القانونى الذى يمكن أن تُقبَل به مثل دعوى شطب سما المصرى؟ وإذا كان بعض أبناء دائرتها الانتخابية يعارضون أن تُمثّلهم فى البرلمان، فلماذا سعوا إلى شطبها بدلاً من أن يتصدّوا لها فى حملتها الانتخابية ويقنعوا الناخبين بحجب أصواتهم عنها؟

هناك قوى وتيارات سوف يسعدها هذا التوجه، خاصة أن لديها بالفعل سوابق فى اعتماد الشبهات ضد المختلفين معهم فى الرأى، وقد وصل الأمر إلى حد سعيهم للاستيلاء على صلاحيات الدولة الحصرية بقتل من يرونه يستحق القتل، خارج الجرائم التى يقرها القانون، وخارج الإجراءات التى يفرضها القانون، وأفلحوا فى اغتيال رئيس الدولة وبعض المفكرين، وحاولوا قتل آخرين بمستوى حاملى جائزة نوبل! وقد أعرب الرأى العام عن تخوفاته عبر السنوات الماضية من ترك هؤلاء يغالون فى خصوماتهم حتى مع إنكار خصومهم أحياناً للتهم التى يوجهونها لهم.

الحكم بشطب سما المصرى نهائى لا طعن فيه، وهذا يلقى بعبء على العاملين فى مجال حقوق الإنسان، والمتخصصين فى موضوعات الانتخابات وفى مجال التعويضات، أن يدرسوا كيف يمكن أن يرد اعتبارها واعتبار كل من يجرى إدانته دون محاكمة، خاصة إذا ترتب عليها تبديد مصلحة له، مثل حق الترشح فى الانتخابات.

الأمر جاد وخطير، وليس هناك ما يبرر أن يتورط المنادون بالحياة العصرية وبحريات الإبداع والتعبير وحماية الحياة الخاصة، فى مجاراة المنطق الذى يلفّ ويدور ويناور فى حقيقة أنه يصر على اقتحام خصوصيات الأفراد وعلى جعلها نهباً مشاعاً، كما يرفض الفنون والآداب المتداولة فى العصر الحديث، وعلى وجه الخصوص يتعنت فى محاربة الرقص والراقصات بالمطلق ومن ناحية المبدأ، ويكذب، فى نفس الوقت، بأن الخلاف على تفاصيل أخرى. وهو ما ينبغى الانتباه إليه لدى المدافعين عن الفنون الراقية، الذين ينسون أن هناك من لا يرى فى الباليه، أرقى فنون الرقص، إلا فتيات يرقصن بملابسهن الداخلية!! ويعتبر أن رياضة السباحة الإيقاعية للفتيات تهتك وخلاعة!!

هل نُسى هجومُهم الشرس على عمر الشريف بعد رحيله بساعات، دون احترام لجلال الموت، ومع جحد لكل نجاح حققه على أعلى مستوى فى العالم، واستهانة بكل تكريم ناله من أكبر المحافل الدولية؟ بما يؤكد أن السبب هو رفضهم التمثيل من ناحية المبدأ! ولم يردعهم أن عمر الشريف كان نموذجاً للالتزام بفنه الذى لا يرى فيه هؤلاء إلا خروجاً على مبادئهم، حتى فى وقت لم يُنسَب له فيه أى موقف أو تصريح ينتقص من حبه وولائه لوطنه ولشعبه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف