إن تعاليم الإسلام التي شرعها الله لعباده جاءت لتنقل البشرية إلي حياة مشرقة بالفضائل والآداب وتجعل منهم علي اختلاف الأمكنة والأزمنة وحدة راسخة الدعامة سامقة البناء فما شرعه الله سبحانه من عقيدة التوحيد وما افترضه من عبادات خالصة لوجهه الكريم وما دعا إليه رسوله "صلي الله عليه وسلم" من سلوك فاضل وأخلاق حسنة.. إنما هو السبيل الوحيد للإنسان لكي تسمو نفسه بالخير وتفيض بالمشاعر الرقيقة التي يكنها المسلم لإخوانه حتي انه ليحيا بهم ويحيا لهم فكأنهم أعضاء في جسد واحد أو أغصان انبثقت من دوحة واحدة.. وفيما يلي بعض ما جاء به الإسلام في هذا الصدد:
أمر الإسلام المسلمين بالتحاب والتواد والتعاطف والتزاور.. وهذا هو الدليل:
1 ــ قال تعالي: "... والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب" ـــ الرعد 21 ـــ قال القاسمي: "والذين يصلون..." أي من أرحامهم وقراباتهم وإخوانهم المؤمنين بالإحسان إليهم علي حسب الطاقة ونصرتهم والزود عنهم والشفقة عليهم والنصيحة لهم وكف الأذي عنهم..." محاسب التأويل ج 9 ص .36
2 ــ قال تعالي: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض..." ـــ التوبة 71 ـــ قال القرطبي: ... قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف..." ج 8 ص .203
3 ـــ قال تعالي: "وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً" ــــ آل عمران 103 ــــ. قال الإمام محمد عبده: انظر آية الله قوم متخالفون بينهم العداوات والمحن يتربص كل واحد بالآخر الهلكة علي يده فيأتي الله بهذه الهداية فيجمعهم ويزيل كل ما في نفوسهم من التنافر ويجعلهم إخواناً ترجع أهواءهم كلها إلي شيء واحد لا يختلفون فيه وهو حكم الله.
4 ـــ وعن أبي هريرة ان الرسول "صلي الله عليه وسلم" قال: من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً: "الترغيب ج 4 ص 142".
5 ـــ ومعاذ بن جبل قال: سمعت الرسول يقول: قال تعالي: وجبت محبتي للمتحابين في وللمتجالسين في وللمتزاورين في وللمتباذلين في" "رواه مالك بإسناد صحيح".
... والإسلام أيضاً في سبيل وحدة المسلمين: يحرم التنازع والتفرق والاختلاف ويحذر من كل سبب يؤدي إليها ويبين العواقب الوخيمة التي تترتب عليها...
فالإسلام يتحسس النفوس بين الحين والحين ليغسلها من أدران الحقد الرخيص وليجعلها حافلة بمشاعر أزكي وأتقي نحو الناس ونحو الحياة ففي كل يوم وفي كل أسبوع وفي كل عام تمر النفوس من آداب الإسلام في مصفاة تجز الأكدار وتنفي العيوب ولا تبقي في الأفئدة المؤمنة آثار من ضغينة ولا بقية من فرقة ولا شائبة من شقاق. أم في كل يوم: فقد أوضح الإسلام ان الصلوات المكتوبة لا يحظي المسلم بثوابها إلا إذا اقترنت بصفاء القلب للناس وفراغه من الغش والخصومات.. وأما في كل أسبوع: فإن هناك إحصاء لما يعمله المسلم ينظر الله فيه ليحاكم المرء إلي ما قدمت يداه وأسره ضميره فإن كان سليم الصدر نجا من العثار وإن كان ملوثاً بمآثم الغضب والحسد والسخط تأخر في المضمار: يقول الرسول: "تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امريء لا يشرك بالله شيئاً إلا أمرا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتي يصطلحا" ابن ماجه: وإما في كل عام: فبعد تراخي الليالي وامتداد الأيام لا ينبغي أن يبقي المسلم حبيساً في سجن العداوة مغلولاً في قيود البغضاء.. ففي الحديث ـــ إن الله يطلع علي عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم".. رواه مسلم ومالك وأبو داود والترمذي وابن ماجه "الترغيب ج 3 ص 458".. ومن ذلك أيضاً: إصلاح ذات البين: وهذا هو الدليل:
1 ــ قال تعالي: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس". "النساء 114": قال القرطبي: "أو إصلاح بين الناس" عام في الدماء والأموال والأعراض وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين وفي كلام يرد به وجه الله تعالي" ج 5 ص .384
2 ـــ قال تعالي: ".... فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم..." ــ الأنفال آية 1 ــ ... قال ابن كثير: "اتقوا الله في أموركم وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا" ج 1 ص .285
3 ـــ عن أبي الدرداء ان الرسول قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة. قالوا بلي قال إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة" رواه أبو داود.
4 ـــ قال أبو هريرة: سمعت رسول الله يقول: "من أصلح بين اثنين استوجب ثواب الشهيد" القرطبي ج .5
وأخيراً وليس آخراً
فقد انتهي البحث الذي عنوانه "الإسلام والتفرقة العنصرية" ونشرته هيـئة اليونسكو سنة 1970 وللباحث المصري أ.د. عبدالعزيز كامل ـــ إلي نتائج جليلة منها علي سبيل المثال: "إن الإسلام يعتبر الإنسانية أسرة كبيرة خلقها الله من نفس واحدة وإن اختلاف الألسنة والألوان فيها مظهر من مظاهر قدرة الله وحكمته".