حين يقال إن أهالي حي السيدة زينب لا يعرفون في الانتخابات غير فتحي سرور عضو مجلس الشعب عن الدائرة ورئيس مجلس الشعب عن الحزب الوطني لقرابة 20 عاماً فلا أظن أن ذلك يمكن أن يكون من باب الافتخار والمديح للدائرة والناخبين.. ولا للدكتور فتحي سرور نفسه.. ولا للنظام السياسي الذي صنع هذا الواقع المرير وأغلق الدائرة ودوائر أخري عديدة علي شخص بعينه فحرم الناس من المنافسة الشريفة.. وحرم المجتمع من أن يكتشف كفاءاته وقدراته وتنوعه.
ليست القضية بالطبع قضية الدكتور فتحي سرور وحده.. ولا قضية أهل السيدة زينب وحدهم.. لكنهم فقط المثال الأبرز الذي ساقته صحيفة "الأخبار" في عدد الثلاثاء الماضي لتكشف عن ظاهرة جديدة في الانتخابات البرلمانية الحالية.. هي ظاهرة عدم وجود أية وجوه سياسية معروفة ذات نشاط وبرنامج وحضور.. فالوجوه غير معروفة الهوية وغير متواجدة.
قالت "الأخبار" تحت عنوان "أهالي السيدة لا يعرفون إلا فتحي سرور إن الصورة الحالية لانتخابات برلمان 2015 تعكس واقعاً لم يعشه أهالي المنطقة من قبل.. حتي أنهم لم يشعروا إلي الآن بوجود انتخابات برلمانية علي الأبواب.. ولا يعرفون سوي اسم فتحي سرور رغم أن عدد المرشحين المتنافسين فيها يصل إلي ما يقرب من 21 مرشحاً غير بارزين.
ونقلت "الأخبار" عن بعض الأهالي قولهم : "إحنا للأسف مش عارفين مين اللي داخل الانتخابات في الدائرة.. ولما حاولنا نتفرج علي القنوات الفضائية علشان نعرف مين اللي مترشح عندنا برضو ماعرفناش".. وقال واحد من الأهالي إنه لا يعرف سوي اسم مرشح واحد بالدائرة.. ولكن هذا المرشح يستغل أمواله في شراء أصوات الفقراء والبسطاء في الوقت الحالي عن طريق توزيع مبالغ مالية عليهم تصل إلي خمسين جنيها لضمان التصويت له في الانتخابات.
وفي دائرة أخري ــ دار السلام ــ قال أحد المواطنين إنه لا يوجد أي من المرشحين بالدائرة له بصمة أو خدمة بالمنطقة لكي يدلي الأهالي له بأصواتهم.. مشيراً إلي أن الرشاوي الانتخابية في الدائرة لم تختف.. وليس شرطاً أن تكون علي شكل رشاوي عينية.. إنما تكون سداد فواتير كهرباء أو مياه لعدد من الفقراء والبسطاء بالدائرة خاصة أن نسبة كبيرة من أهالي الدائرة غلابة.
أقول ــ مرة أخري.. القضية ليست قضية دائرة السيدة زينب أو دائرة دار السلام.. وليست قضية الدكتور فتحي سرور الذي له كل الاحترام والتقدير.. لكنها قضية عصر وزمن ونظام سياسي طال به الأمد.. وعمد إلي تجريف الكفاءات والاكتفاء بما عرف من أهل الثقة.. وأغلق الأبواب بوسائل وأساليب شتي أمام أية عناصر تمتلك القدرة والموهبة.
هذا الزمن وذلك النظام الذي أغلق الدوائر علي أشخاص بعينها لمدة تزيد علي عشرين عاما هو ذاته النظام الذي جعل اختيار الوزراء والمسئولين محصوراً في دائرة ضيقة جداً.. وجعل المناصب دائمة طالما ظل الولاء مضمونا.. حتي وصفه الأستاذ هيكل عن حق بأنه "سلطة شاخت في مواقعها".
ولا تنسي أن هذا النظام هو الذي أقنع الناس عبر سنوات طوال بأنه لا يجد الشخص المناسب في مصر الذي يمكن أن يملأ موقع نائب رئيس الجمهورية.. وهكذا عمت البلوي.. فما يحدث علي نطاق الدائرة الانتخابية التي أغلقت لشخص ــ أو أشخاص ــ محددين يحدث أيضاً علي مستوي الوطن الذي أغلقت دائرة السلطة فيه أيضاً علي أشخاص محددين لا يعرف الناس غيرهم.
والآن.. يجب أن نتعظ من الدرس.. ونعمل علي انفتاح الدوائر للمنافسة الحرة النزيهة حتي تظهر أسماء جديدة وكفاءات جديدة لزمن جديد أكثر انفتاحاً وأكثر تنوعا.