كثر اللغط بعد قيام تنظيم “داعش” المجرم ببث فيديو يظهر فيه قيامه بإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيا في سابقة هي الأشد وحشية وهمجية بين جرائم هذه الجماعة الإرهابية التي لا علاقة لها بشريعتنا الإسلامية، وقد وجد المغرضون فيما نقله الدواعش من أنهم استندوا في فعلتهم الشنعاء علي فتوي لابن تيمية مادة خصبة ووقودا فعالا يرفع لهيب نارهم التي يشعلونها لحرق تراثنا الإسلامي، وهو ما يوجب علي علماء الأمة أن ينهضوا لرد تلك الفرية عن الدين الإسلامي والشريعة الغراء. ولله وبيانا للحق وجب علي أن أوضح بعض النقاط إن أردنا أن نقرأ المشهد قراءة صحيحة، ومن هذه الأمور:.
أولا: أن أفعال هؤلاء المفسدين في الأرض المحاربين لله ولرسوله يجب التوقف عن نسبتها إلي شريعتنا والترويج لهؤلاء علي أنهم فصيل مارق من المسلمين السنة ينطلق من منطلق فهم مغلوط لصحيح الدين وشريعته، لأن هؤلاء كما ذكرنا مرارا وتكرارا لا علاقة لهم ولا لأفعالهم بتحقيق مقاصد ديننا الحنيف، وإنما هم أدوات في أيدي أعداء الدين زودوا مع المال والعتاد بسلاح فكري مسموم يعتمد علي بعض أقوال شاذة لعلماء سابقين، وأخري وردت في ظروف وملابسات خاصة لا تصلح لغير زمانها، وتستغل خلافا عقديا أو منهجينا بين أتباع الدين الحنيف لتأجيج نار الخلاف المستترة تحت رماد قليل الكثافة.
ثانيا: يبدو واضحا من تعمد إظهار هؤلاء علي أنهم من أهل السنة، واستنادهم إلي قنابل موقوتة ألقي عليها الزمان كثيرا من الركام ومنها تلك الفتاوي الشاذة لبعض العلماء، ولو صدق من ينهالون جلدا علي تراثنا محملين إياه ظهور هذا الكيان الشيطاني لردوا الأمر إلي حقيقته وتوقفوا عن تضليل الناس عن حقيقة هؤلاء ومن يقف خلفهم ممن يرفع كذبا راية التصدي لهم وقيادة حرب وهمية ظاهرها القضاء عليهم وباطنها مد هؤلاء بكل ما يحتاجونه للقضاء علي المسلمين بالقتل تارة وبإيقاع الفتن تارة أخري ليتحقق المراد بأيديهم وأيدي المؤمنين دون أن نعتبر مع أننا نسمع ونعقل قول ربنا “يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ” [الحشر : 2]
ثالثا: المشكلة ليست في التراث ولا حتي في الأقوال غير المعتبرة من جمهور علماء سلفنا الصالح، وإنما المشكلة في استمرار تبرير البعض لأفعال هؤلاء وردها إلي تراثنا الإسلامي،فما ذكرته داعش من استنادهم علي فتوي ابن تيمية في الإحراق، وما تبرع به البعض ممن يتربصون بالتراث أصلا ويساندون كل من وجه إليه سهما من إقحام سيدنا الصديق في الأمر ليكونوا داعشيين أكثر من داعش، مردود عليها بردود كثيرة منها: أنها أقوال ضعيفة لم تسلم عند الثقاث من العلماء،وعلي فرض صحتها فهي لا تنطبق علي جريمتهم النكراء فما أجاز فقيه ولا متفقه في تاريخنا الإسلامي إحراق مسلم علي أيدي مجموعة مفسدة في الأرض، وهذا ما فعلته داعش، فلا تلصقوه بمن لو كان بيننا لتبرأ منهم قبلنا، وعلي فرض صحة ما ذكر وأن ما ذكره ابن تيمية أو ما ألصقتموه بصحابتنا الكرام يدخل فيه جريمتهم إلا أن هذا باطل ،لأن رأي أي أحدا من الناس كائنا من كان لا يحتج به متي تعارض مع كتاب الله أو الثابت عن رسوله الكريم -صلي الله عليه وسلم- وليس في كتاب الله ما يجيز هذه الجريمة النكراء، والثابت عن رسولنا نفيه ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة،رضي الله عنه: “ بعثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في بعثٍ فقال: إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النَّار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما؛ فاقتلوهما”، وقال رسولنا الأكرم: “إن الله كتب الإحسان علي كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” فإذا كان الإحسان واجبا في المواضع التي يجوز فيها القتل والذبح فكيف يجوز الإحراق لمن لا يجوز قتله أصلا؟!، كما أنه من المعلوم شرعا أن الدماء والأعراض يحتاط فيهما أكثر مما يحتاط في غيرهما، ومن القواعد المعتبرة عند العلماء (إذا دار الأمر بين الحلال والحرام غلب جانب الحرام احتياطا)، ولذا لا مجال لتحميل مصادر شرعنا أو علماء السلف جريرة تلك الجريمة النكراء التي تتنافي حتي مع الأعراف الإنسانية الصحيحة ناهيك عن تصادمها الواضح مع تعاليم ديننا الحنيف.
رابعا: كيف يتصور العقلاء أن دينا يمنع قطع شجر العدو في الحرب أو ذبح حيواناتهم إلا لمأكل ويحرم إحراق النمل يمكن أن يجيز حرق إنسان معصوم الدم أو حتي غير معصوم ما لم يكن الإحراق تابعا لرمي في حرب أشعل النار ولم يكن مقصودا؟!
وختاما فلنتق الله في ديننا ولنقطع صلة هؤلاء بشريعتنا السمحة ولا نبرر لأفعالهم بما بما لا يشملها أصلا، ولنعكف علي فضح هؤلاء وقطع صلتهم بالأديان كافة وفي مقدمتها الإسلام، ولنرفع جميعا راية التصدي لهم بغية تخليص الآمنين من شرورهم.