أخيراً اعترفت الحكومة بأنها تعاني من 3 أزمات مالية متشابكة ومتداخلة.. يؤثر بعضها علي بعض.. وأنها في طريقها لاتخاذ خطوات حاسمة وعاجلة لمواجهة هذه الأزمات حتي تستقر الأحوال الاقتصادية.. وهذه الأزمات هي:
* تدهور قيمة الجنيه أمام الدولار الذي قفز سعره إلي ما يتراوح بين 8.5-8.17 جنيه.
* انخفاض الاحتياطي النقدي لدي البنك المركزي بعد أن وصل إلي 16.3 مليار دولار في سبتمبر الماضي.
* تراجع حركة الصادرات المصرية خلال الـ 8 شهور الأولي من العام الجاري بنسبة 18.7% فيما ارتفعت الواردات بنسبة 15.3% خلال الشهور الستة الأولي من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.. حيث بلغت قيمة الواردات من يناير إلي يونيه 2015 حوالي 40.7 مليار جنيه مقابل 35.3 مليار جنيه لنفس الفترة من العام الماضي.
اعتراف الحكومة بهذه الحقائق في حد ذاته أمر جيد.. حتي نصل إلي تشخيص صحيح لمشاكلنا بدلاً من سياسة "كله تمام".. والتشخيص الصحيح هو أول خطوة في طريق العلاج الصحيح.. وقد صارت الحكومة تتحدث علناً وبوضوح كامل عن إجراءات وقرارات جديدة لحماية الصناعة الوطنية وزيادة الرسوم الجمركية علي السلع ذات البديل المحلي.. وإعادة النظر في قوائم استيراد السلع الاستفزازية التي تستهلك نسبة هائلة من الاعتمادات الدولارية علي حساب السلع الضرورية والاستراتيجية التي يجب أن نوفر لها الدولار بأسعار معقولة حتي لا تهتز الأسواق الداخلية.
هذا التوجه الجديد تقابله بالطبع ضغوط من المستوردين ورجال الأعمال.. وتحذيرات من أن أي تدخل حكومي سوف يفاقم الأزمة أكثر وأكثر.. ويؤثر سلباً علي مناخ الاستثمار.. وهو تحذير ثابت ومكرر لتخويف الحكومة من أية إجراءت حمائية يتطلبها اقتصادنا حتي لا يدخل في دائرة الفوضي.
وكانت "الأهرام" قد نشرت في 6 أبريل الماضي تقريراً مروعاً عن مخاطر الاستيراد الاستفزازي قالت فيه: "ربما لا يصدق أحد أن مصر بظروفها الاقتصادية الصعبة تسمح باستيراد سلع استفزازية وصلت قيمتها إلي ما يزيد علي 6 مليارات دولار ـ أكثر من خمس قيمة الصادرات المصرية عام 2014 ونحو عشر قيمة الواردات ـ ومن هذه السلع طعام للقطط والكلاب بـ 153 مليون دولار.. ولعب أطفال بـ 55 مليون دولار.. وجمبري جامبو وكافيار بـ 78 مليون دولار.. وياميش رمضان بنحو 104 ملايين دولار.. ولحم طاووس وغزلان ونعام ومافي حكمها بنحو 95 مليون دولار.. وشيكولاتة بـ 57 مليون دولار.. وسيارات للسباق وسيارات لملاعب الجولف والباجي بيتش وما في حكمها بنحو 600 مليون دولار.. إضافة لاستيراد ألعاب نارية كالشماريخ والبمب والمفرقعات بقيمة 600 مليون دولار.
هل يصدق أحد أن هذا يحدث في دولة مثقلة بديون داخلية وخارجية بلغت أكثر من 2 تريليون و500 مليار جنيه طبقاً لأرقام الميزانية الحالية 2015/2016 بزيادة 25% عن الأعوام السابقة.. وفوائد هذه الديون بلغت 28% من إجمالي الإنفاق العام؟!.. ولكي تقترب من الصورة أكثر فإن فوائد الديون المطلوبة من مصر بلغت 244 مليار جنيه سنوياً.. أي ما يقرب من 650 مليون جنيه يومياً.. هذه هي الفوائد فقط بخلاف أصل الدين.
إن هذه الأرقام المزعجة تتطلب إجراءات سريعة وحاسمة لضبط الإنفاق الحكومي وضبط الأسواق حتي لا تؤثر الجمارك الجديدة علي محدودي الدخل والتمييز بين الاستيراد السفيه والاستيراد الخاص بالسلع الاستراتيجية الضرورية للبناء والتنمية.. وعدم الالتفات إلي الفزاعة التي يستخدمها دائماً المستوردون ورجال الأعمال في وجه أية إجراءات جديدة.
الأهم الآن سياسات مغايرة تنحاز للمواطن محدود الدخل وتنحاز لقيمة العمل والإنتاج حتي تدور المصانع المغلقة وتنتج السواعد المعطلة.