الجمهورية
صلاح عطية
كــل الأوراق تتـداخل
مرة أخري نقول هذا الأسبوع إن التنبؤ صعب بما ستنتهي إليه الأحوال في سوريا. بعد التدخل الروسي علي الأرض والقصف لمختلف الفصائل المقاتلة للنظام.. فكل الأمور متحركة الآن.. سواء في دول الجوار.. أمريكا وأوروبا.. ولكن الدب الروسي يمضي في مخططه بثبات.. فهو لم يبدأ ما بدأه لكي يتوقف عند أول اعتراض.. فبعد شهور الإعداد والترقب ثم الانطلاق. لابد أنه وضع في حسابه كل ردود الأفعال المتوقعة. بما في ذلك التي بدأت تسمي التدخل الروسي احتلالاً.. وتدعو لمقاومته.. وكأن التدخل الأمريكي كان حلالاً.. وهو الذي كان ومازال ذراً للرماد في العيون.. وهو في حقيقة الأمر إعادة ترتيب الأمور لصالحه.. وإعادة من خرج عن الصف من صنائعه.. إلي الصف.. أما القضاء علي الإرهاب.. فذلك لم يكن في مخططه.. فهو كان يحدد عشر سنوات.. وهي فترة كافية جداً لإحداث ما يريده من تغييرات وتقسيمات يساعده فيها الإرهاب الذي يدعي محاربته.. بينما هو يتمدد.. ويتمدد.. ويتشعب.. وينطلق بعد كل غارة من غاراته.. روسيا إذن تعرف ردود الأفعال.. وتعرف كيف تواجه هذه الردود.. والغرب يعرف أنه فقد عنصر المبادأة.. وعليه أن يبتلع مرارة سلوكه في سوريا.. وعلينا نحن أن نتابع ما تفعله روسيا.. التي أصبحت صاحبة مصلحة كبري.. ليست فقط في استراتيجيتها في الشرق الأوسط.. وإنما أيضاً في قهر الإرهاب.. الذي يخطط ليرتد إليها.. فالكثيرون ممن يقاتلون في سوريا.. ينتمون إلي الجمهوريات الإسلامية التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق.. ومن جاء منهم إلي سوريا.. ومن بقي منهم في بلاده.. يتحفزون للعمل في روسيا.. ولذلك فإن روسيا تواجه أيضاً قوي تهددها مباشرة.
ويتحرك العالم من حول روسيا.. وسوريا.. يتوجه الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي إلي الكرملين ليلتقي بوتين.. ويتحرك أيضاً الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي.. ليلتقي بوتين.. والاثنان يلتقيان الرئيس الروسي.. والهدف المعلن هو بحث تداعيات الأزمة السورية بعد التدخل الروسي.. و"نقل القلق السعودي بشأن العملية الروسية في سوريا".. وإماراتياً: "العلاقات الثنائية بين البلدين. والأزمة السورية والأوضاع في المنطقة من منظور العمليات الخاصة بمكافحة الإرهاب في كل صوره..".
أما الهدف غير المعلن أو المعلن أيضاً.. فهو الأسد.. الأسد لا مستقبل له في سوريا.. الأسد يجب أن يرحل.. ولكن كيف يتحقق هذا الهدف مع التحالف الروسي.. ومع الحفاظ علي وحدة سوريا.. ومع القضاء علي الإرهاب.. وطرد داعش وكل القوي التي تداعت إليها من كل مكان في العالم..؟
وكل هذا يمضي.. والوقت يدعم كل يوم نظام الأسد.. قواته تتمدد علي الأرض وتستعيد مناطق وقري فقدتها من قبل.. ويتم التمدد بدعم روسي جوي.. أما الغرب وأمريكا.. فقد انحصرت الأهداف في التنسيق.. وعدم ضرب الجيش الحر.. الصنيعة المخابراتية الأمريكية.. التنسيق حتي لا يقع صدام بين طيران روسيا وطيران التحالف.. وفي إطار هذا التنسيق يقولون بجملة اقتراحات.. إما اقتسام سوريا بينهم إلي مناطق.. أو التقسيم الوقتي.. أو العمل المشترك.. وروسيا ترحب في الظاهر بالتنسيق.. ولكنها بالتأكيد لن تأخذ إلا ما يتناسب مع خططها.. والتي لن تتغير بالمحاولات الأمريكية والأوروبية.. وأكاد أقول باللقاءات العربية التي تعرض بلا شك حجماً أوسع من التعاون العسكري ومشتروات السلاح.. ويعرف الدب الروسي كيف يتعامل مع كل ذلك.. وعلينا أن نتوقع إعادة كل الأطراف تقدير مواقفها طبقاً للموقف علي الأرض.. والموقف علي الأرض الآن يفرض معادلات جديدة.. وإذا حدث إخلال بتسليح المقاومة.. وتسليح داعش.. ومدها بأسلحة دفاعية ضد الطيران.. فإن هذا سيكون تطوراً خطيراً.. لاشك أن الروس أيضاً قد وضعوه في اعتبارهم.. وفي كل الأحوال علينا أن ننتظر ونرقب.. وكما بدأنا.. فإن التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور صعب.. فلابد أن الصورة ونقاطها المضيئة والمظلمة.. تزيد من الغموض.. الثابتة والمتحركة.. تزيد الآن من صعوبة تصور ما سيحدث.. فكل الأوراق تتداخل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف