الأهرام
محمد مصطفى حافظ
جزار الإسفاف
السينما يطلق العالم عليها " مرأة الشعوب " العاكسة لواقع مجتمعاتها ، والمؤثرة لوجدان شعوبها، والمساهمة بغرس قيمهم ومبادئهم وأخلاقهم ، والمداعبة لأحلامهم والمحفزة لقدراتهم ومشاعرهم ، والراصدة للسلوك الإنساني والإبداعي واللغوي والواقعي ، والساردة لتاريخ الدول بانتصاراته وهزائمه بشموخه وإنكساره بأفراحه وأحزانه ، وعظيمة التأثير بالشخصية ولغتها وثقافتها ومشاعرها وآحلامها وإبداعتها ، وسفيرة فوق العادة تجوب الدنيا لإبداع الشعوب من إنتاجها السينمائي .
وبالنظر الي السينما المصرية بتاريخها ناصح الرقي بأكثر من ٤ آلاف فيلم علي مدي أكثر من مائة عام راصدا لاحداث الدولة القومية والتاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال أفلام لمخرجين ومنتجين وممثلين ومطربين عمالقة كانوا ولازلوا فخرا ليس في مصر فقط بل في جميع أنحاء الوطن العربي حتي أصبحت اللهجة المصرية والعادات والشخصية المتحضرة مبعوثاً خاصاً في كل بيت ومعلمأ لكل طفل وأسرة عربية من خلال الفن السينمائي والتليفزيوني المصري ، وسيظل مبدعي الزمن الجميل مصدراً للسعادة عند مشاهدة أعمالهم المتميزة وعلامات للتاريخ الإنساني والفني .
وإما سينما اليوم للأسف فقد تدهورت إلا من القليل الواجب تنميته من طوفان أفلام المقاولات سابقاً الي الواقعية السوداء حاليًا ثم الإباحية التي تخاطب الغرائز وتشجع علي تعاطي المخدرات وتعلم طرق الخيانة وتنشر البلطجة وتعظم الإجرام والإنحراف ببطل محبوب و أغاني لمطرب هابط ، وتعبئة أفلام للمواسم والأعياد بنكهة الإباحية والإكشن وعشوائيات البلطجية وأطفال الشوارع وعفاريت الأسلفت ، الغنية ببهارات الجنس والرقص والأغاني الهابطة وحركات شقاوة السيوف والمطاوي علي أنفاس المخدرات والخمور وضرب حقن الماكس وشم البودرة ، هذه للإسف الشديد مفردات إبداع أفلام سينما اليوم.
وكأن مصر التي علمت الدنيا الحضارة كأقدم دولة علي الأرض الغنية بتراثها وفنونها وآثارها وعلمائها والمشروعات التنموية علي كامل ترابها تعيش في العشوائيات فقط ، وشعبها رمز الرجولة والشهامة والرقي لا يعرف إلا البلطجة والجنس والمخدرات وكأننا نعيش في كبارية أو عشش الظلام ، أهذا إبداع لفن فهناك فرق ما كان من سينما تبني أمة وتهذب خلقاً وما يحدث الآن من تدمير للمستقبل وإنحدار للشعوب.

لذلك ليس مستغربأ ظهور هذا المنتج جزار الإسفاف الذي غزا السوق السينمائي في غفلة من الزمن ببضاعته من اللحوم المستباحة ولا تخلو من أمراض التحرش والوقاحة والابتذال والدعارة والمخدرات والخيانة وأسلحة بلطجية الشوارع والرقص الخليع والغناء الرخيص ، والذي يتباهي بأنه الوحيد الذي يقدم أعمالا ويفتح بيوتاً ويظهر فنانين ومطربين ولكن أي فن يقدم وأي بيت يأكل من هذا الفساد الفني ومن هم هؤلاء أبطال أفلامك الساقطة وإن حصدت الملايين لينفعل من نقض سمومه المنتشرة علي سلوك الشباب والأطفال بل يشتم علي الهواء بلفظ فظيع ليجرح المشاعر بالبيوت المصرية لمجرد أن مقدم البرنامج أستضاف طفلة ووالدها كانت تتراقص حاملة بلاطة علي نغمة هابطة تشابها بأفلامه وحركات أبطاله من البلطجية الذين يرقصون علي أنفاس دخان المخدرات وأصوات كئوس الخمور وإيحاءات رخيصة للراقصات عارية الأجساد ، نعم فكل إناء ينطح بما فيه ويفهمه من مفردات تخرج من بالوعات المجاري وأخلاق المراقص ، وليكن مفهوما أن تدمير إي أمة يبدأ بالقضاء علي فنونه والذوق العام للشعوب ، والإفساد لأذرع القوة الناعمة للدول المتمثل في الفنون المختلفة ومبدعوها أشد فتكأ من الفساد المالي والسياسي والاقتصادي وأقل حيلة في محاربة التطرف والإرهاب ، وبيئة خصبة لهلاك الأمم وتنامي الأفكار المتطرفة والجرائم المجتمعية. والتخلف والجهل والمرض.

هل ستتغاضي الحكومة وأجهزتها الرقابية عن محاسبة الإسفاف والضرب بيد من حديد لمن يهدد أستقرار السلم الاجتماعي أو يساعد علي نشر الرذيلة والأسفاف ؟ وهل ستثور النقابات ومؤسسات المجتمع المدني للدفاع عن قيم المصريين وحضاراتهم وفنونهم وصورة بلدهم التي أصابها المعايرة ويهدد مستقبل أبنائهم ؟ أم تستمر رفع القضايا وشجب مدخلات الفضائيات ومقالات الإستنكار ؟ وهل سيتنازل الابراشي عن رفع دعوي سب وقذف بعد تضامن جميع المشاهدين للقصاص من هذا المنتج أم سيفقد مصداقيته بالاستجابة لوسطاء المنتج؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف