بعد وفاة «عبدالناصر» فى سبتمبر 1970، تولى «السادات» الليبرالى التوجه حكم مصر فى ظروف شديدة الصعوبة تتمثل فى تردى الاقتصاد والمرافق والخدمات الأساسية فى البلاد، وفى سيناء المحتلة. وكان «السادات» داهية سياسية، ونجح باقتدار فى التخلص من الرموز القديمة وإعادة تنظيم قيادات الجيش والشرطة، ثم حقق الشعب والجيش المصرى انتصار أكتوبر العظيم. وكان فى عهد «السادات» اهتمام كبير بالتوسعات الزراعية، حيث تم اكتشاف المخزون الجوفى فى شرق العوينات لزراعة 200 ألف فدان هناك، وبدأ «السادات» مشروع الصالحية للتوسّع الزراعى فى شرق الدلتا، وبدأ أيضاً مشروع ترعة السلام لتنمية شمال سيناء، الذى طالبت معه إسرائيل بمد هذه الترعة إلى صحراء النقب. وكان هذا هو بداية للفكرة التى يتداولها بعض المصريين فى سذاجة سياسية بين الحين والآخر، من أن إمداد إسرائيل بمياه النيل هو الحل لمشاكل مصر مع دول حوض النيل، كأن إسرائيل هى الحليف والداعم لمصر ولشعبها الباحث لحلول مشاكلها الاستراتيجية. ومد مياه النيل لسيناء كانت قد عارضته أصوات كثيرة من دول حوض النيل، خاصة إثيوبيا، بحجة أن نقل المياه إلى سيناء يمثل نقل مياه النيل خارج الحوض، مما يمثل فى رأيها انتهاكاً لقواعد القانون الدولى الخاصة بالأنهار المشتركة. ويذكر لـ«السادات» أنه كان قد بدأ المرحلة الأولى لمشروع قناة «جونجلى» لتوفير 2 مليار متر مكعب إضافية لحصة مصر المائية، الذى للأسف توقف فى عهد «مبارك» عام 1984، وبعد الانتهاء من 70% من أعمال الحفر، وذلك بسبب نشوب الحرب الأهلية فى جنوب السودان. ويقال إن قناة «جونجلى» كانت من أهم الأسباب الرئيسية التى أدت إلى هذه الحرب الأهلية، بهدف منع زيادة حصة مصر المائية. وكان مشروع قناة «جونجلى» تعارضه الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك دولتا حوض النيل إثيوبيا وأوغندا، بحجة الآثار البيئية السلبية للمشروع.
وكان «السادات» قد استبدل بالاتحاد السوفيتى كحليف استراتيجى لمصر الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وأقام معاهدة سلام مع إسرائيل، وكانت لها تداعيات سلبية كبيرة، منها قطع العلاقات العربية مع مصر، مما أدى إلى ضغوط اقتصادية عنيفة على البلاد خفّفتها نسبياً المعونة الأمريكية. ولـ«السادات» نصيب مشهود فى السجال المصرى - الإثيوبى، الذى حدث به تحول سياسى تاريخى عنيف بعد استيلاء «منجستو» الماركسى على الحكم من الإمبراطور «هيلاسيلاسى» عام 1974، وتحولت إثيوبيا إلى الشيوعية بعد أن كانت الحليف الغربى الدائم فى أفريقيا. أى أن التغيير السياسى فى إثيوبيا كان عكس ما حدث فى مصر فى الفترة الزمنية نفسها، وذلك فى إطار الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية. وقد حاول «منجستو» فى نهاية السبعينات من القرن الماضى البدء فى بناء أحد السدود على النيل الأزرق، وقام الرئيس السادات فى ذلك الوقت بتهديده بالحرب فى حالة بناء السد، وكانت هناك تصريحات سياسية عنيفة من الجانبين. ونجح «السادات» فى إيقاف العمل بهذا السد، ولم يتحرك الغرب هذه المرة كعادته ضد مصر، نظراً لوجود نظام ماركسى فى إثيوبيا، بينما النظام المصرى كان حليفاً غربياً. وكان «السادات» قد أباح الساحة السياسية والشارع المصرى للإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسى بهدف تحجيم أو القضاء على التيار اليسارى. وتمكنت جماعات الإسلام السياسى، بزعامة الإخوان المسلمين من السيطرة إلى حد كبير على الجامعات والتجمّعات العمالية والعديد من المساجد الرئيسية فى كثير من الأحياء الشعبية، حتى تحولت بالتدريج إلى مقاومة «السادات» نفسه وسياساته، وانتهت باغتياله فى أعياد أكتوبر عام 1981.
وبعد وفاة «السادات»، تولى «مبارك» الحكم فى ظل تغييرات ونزاعات دولية وإقليمية عديدة ومؤثرة، فى إطار إعادة تشكيل النظام العالمى والتوازنات الإقليمية. وواكبت هذه النزاعات والمكائد بداية صراعات كبيرة فى جنوب السودان، وفى حوض النيل وفى القرن الأفريقى، وكانت لها تداعيات كبيرة على الأمن القومى المصرى. فمع مطلع الثمانينات من القرن الماضى بدأ عام 1983 النزاع بين حركة التحرير الشعبية بقيادة «جارانج» فى جنوب السودان وبدعم غربى ضد النظام السودانى. وقد أدت هذه الحرب إلى توقّف أعمال قناة «جونجلى» عام 1984، التى كان قد تم الانتهاء من 70% من أعمالها، لتزيد كل من حصة مصر والسودان المائية بحوالى 2 مليار متر مكعب سنوياً. وكان استكمال هذه القناة سيتيح تنمية حقيقية للجنوب السودانى وزيادة تقاربه مع مصر واستكمال مشاريع استقطاب فواقد نهر النيل فى مناطق السدود و«بحر الغزال» ومستنقعات «مشار»، التى تم النص عليها فى اتفاقية 1959 بين مصر والسودان. واستولى «الترابى» على مقاليد الحكم فى السودان عام 1989، واستمر عشر سنوات حتى انقلب عليه «البشير» عام 1999. وأثناء حكم «الترابى» للسودان كانت العلاقات المصرية - السودانية قد وصلت إلى أدنى مستوياتها، وكانت السودان مأوى للجماعات الإسلامية المناهضة للنظام المصرى، بالإضافة إلى مجموعات من تنظيم القاعدة، وقد قام بعض هذه الجماعات بمحاولة اغتيال «مبارك» فى أديس أبابا عام 1995، التى كانت سبباً رئيسياً فى إحجام «مبارك» عن زيارة إثيوبيا وحضور اجتماعات الاتحاد الأفريقى الدورية هناك، مما كان له أثر فى تحجيم دور مصر الريادى وظهور قوى أفريقية جديدة بدعم من الولايات المتحدة والدول الغربية، خاصة دولتى إثيوبيا وأوغندا. وتم التوصل إلى اتفاق السلام بين الشمال والجنوب برعاية أمريكية عام 2005، الذى انتهى باستفتاء لاستقلال الجنوب عن السودان، وأصبح الجنوب دولة مستقلة عام 2011.
وكان لتفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991 أيضاً تأثيره المباشر على الحكم فى إثيوبيا، حيث استولى «ميليس زيناوى» الليبرالى التوجه على مقاليد الحكم بعد الانقلاب على النظام الماركسى الحاكم بقيادة «منجستو» عام 1991، وبعدها حصلت إريتريا على الاستقلال السياسى عام 1993. وعادت إثيوبيا مرة أخرى إلى حلفائها التقليديين فى الغرب، واعتمد اقتصادها على معونات مالية كبيرة ولسنوات طويلة دعماً لاقتصاد إثيوبيا، وللتغلب على مظاهر الفقر التى كانت سائدة هناك بشكل كبير، بالإضافة إلى الدعم العسكرى. وعقد «ميليس زيناوى» اتفاقية إطارية للتعاون مع مصر فى أول يوليو عام 1993، وذلك أثناء زيارته القاهرة، وتعهدت فيها الدولتان بالتعاون معاً فى الاستغلال المشترك لمياه النيل مع عدم الإضرار بأى من الدولتين. وقامت إثيوبيا تحت حكم «ميليس زيناوى» فى التسعينات من القرن الماضى بتحديث مخطط السدود الذى أعده مكتب استصلاح الأراضى الأمريكى فى خمسينات القرن الماضى، وذلك عن طريق عدة مكاتب استشارية أوروبية.