هل تابعت بعضاً مما نُشر عن مؤتمر «الابتكار فى الحكومة»؟. ولا يهمك، تعالَ أحكى لك بعض المعلومات التى تداولتها وسائل الإعلام على هامش هذا المؤتمر. نبدأ بمعلومة عن «تدريب الموظفين» تقول إن الميزانية المخصصة لتدريب الموظف المصرى سنوياً (15 جنيهاً) فقط، يعنى نحو جنيه ونصف فى الشهر، وإذا وزعتها على أيام الشهر ستجد أن ما ينفَق على تدريب الموظف المصرى يومياً خمسة قروش (شِلن يعنى.. بالتعبير الذى يفهمه عواجيز المحروسة)!. ربما يكون بعض مَن يتهمون الموظف المصرى بالإهمال وتدنى الأداء قد أدركوا واحداً من أهم الأسباب التى تؤدى إلى ذلك، وهو أن الدولة نفسها لا تهتم بتطويره، وحقيقة الأمر فإنها تنظر إليه على أنه «كائن عوالة»، يريد أن يقبض مرتبه آخر كل شهر دون أن ينتج شيئاً. ومن المؤكد أن بين الموظفين مَن يستحق هذا الوصف مِن جانب الدولة، لكن «الشِّلن» المخصص للتدريب يكشف أيضاً عن أن الدولة تُهمل هى الأخرى فى تطويره، بل وتود التخلص منه، نظراً للتكلفة العالية التى تتحملها الدولة، لتوفر أجور الموظفين التى تلتهم نسبة كبيرة من الموازنة العامة.
ربما ارتأى المسئولون عن الدولة أن حل مشكلة الموظفين يرتبط بتطبيق قانون الخدمة المدنية الذى يحتوى على أفكار ومواد عديدة بنّاءة، قد يكون كلامهم هذا صحيحاً، لأن القانون يعالج العديد من المشكلات، لكن أزمته الكبرى أن ثمة استثناءات فى تطبيقه، كما ذكرت غير مرة، والاستثناءات تنسف فكرة الإصلاح من جذورها، والأمر الأخطر فى تطبيق هذا القانون يتعلق بإحساس الموظف أن الدولة تتعسف معه، وهو يفهم تماماً نظرتها الدونية إليه كـ«كائن عوالة»، وبالتالى فإنه يشتط فى عصيانها، حتى فى الأمور التى تتعلق بالإصلاح، وقد ذكر خبير ماليزى كان من ضمن الحضور فى مؤتمر «الابتكار فى الحكومة» أن الموظف الذى يدخل فى مواجهة مع الحكومة يستنفر كل قدراته الدفاعية ويستخدم كل أسلحته الوظيفية الممكنة لإثنائها عن قهره، وتحدَّث الخبير عن أهمية تغيير الفكر وأسلوب الأداء، وقال إن أولى خطوات الإصلاح ترتبط بنسف فكرة أن «الشعب لا يريد التغيير».
وعبارة «الشعب لا يريد التغيير» هى اللبانة التى لا تتوقف النخب المصرية عن مضغها، رغم أن هذا الشعب الذى يسخرون منه ويتعالون عليه، كان القاطرة التى شدتهم إلى التغيير فى يناير 2011 ويونيو 2013، فى المرتين نجح الشعب فى التغيير، وحصد غيرُه الثمنَ، وتسلطن على كراسى السلطة، واسترخى داخل استوديوهات الفضائيات، وأخذ يثرثر كعادته عن الشعب الذى لا يريد التغيير، ويستعصى عليه، خصوصاً شعب الموظفين الذى يربو تعداده على 6.5 مليون، أتصور أنهم يحملون على أكتافهم عبء الحفاظ على الدولة المصرية. قُل ما شئت وتحدَّث كما يحلو لك عن الإهمال وتراجُع الأداء لدى الموظفين، لكن لا تزال الدولة غير قادرة على الاستغناء عنهم، أو التخلص منهم. والإهمال وتراجع الأداء يتطلبان الاهتمام بالإعداد والتدريب والتطوير والتأهيل، وجانب من جوانب الإصلاح الحقيقى لأحوال الموظفين يرتبط بالتخلى عن حكاية «الشِّلن» الذى تدفعه الدولة لتدريبهم!.