الوطن
حافظ أبو سعدة
ولا تزال مصر فى حاجة لأن يكون التعليم أولاً
كثير من الأمم التى نهضت، اعتمدت، بالأساس، على نهضة تعليمية، تطوير فى المناهج وتحديثها، تعزيز قدرات المعلمين، أبنية تعليمية مناسبة وكثافات فى الفصول تتيح إمكانية لتلقى الدروس والمشاركة فى النشاط العلمى فى الفصل، ونحن نتكلم هنا فى مصر عن المدارس الحكومية التى تهم أكثر من 85% من المواطنين، الذين يشكلون القاعدة التى تعتمد عليها الدولة فى الموارد البشرية والجهاز الإدارى لها، ورغم إدراك الجميع أهمية النهضة التعليمية لتحقيق معدلات تنمية اقتصادية واجتماعية، فإننا تأخرنا كثيراً فى التحرك فى الاتجاه الصحيح.

التجارب الدولية تشير إلى انتقال دول من دول فقيرة تعانى الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية إلى دول متقدمة اقتصادياً، وتحقق معدلات نمو وتنمية عالية، وأكبر مَثلين فى هذا الإطار التجربة السنغافورية وتجربة ماليزيا، حيث حققت الدولتان معدلات نمو اقتصادى عالية، وكان التعليم وتطوير مناهجه هما الأساس الذى انطلقت به إلى آفاق التقدم الاقتصادى ومعالجة الكثير من قضايا الفقر والتخلف، وأصبح دخل الفرد فى هذين البلدين من أعلى الدخول للأفراد، لتتقدما على دول كبرى.

فى مصر ما زالت قضية التعليم تراوح مكانها، رغم إيمان الجميع، الأحزاب والسياسيين والقيادات السياسية والتنفيذية والمفكرين، بأن قضية التعليم هى العصب الذى نعتمد عليه فى تحقيق أى تقدُّم مأمول، نتعامل مع القضية بشكل جزئى، فالاهتمام بالمعلم يجب ألا يكون فقط برفع المرتب، أو كادر المعلم الجديد، الذى أثير بمناسبة انتخابات رئاسية، وليس كقضية ناتجة عن دراسة للملف بشكل دقيق، وتوقف تطوير الأبنية التعليمية، حتى بلغت الكثافة فى الفصول 90 تلميذاً أو 100 فى الفصل الواحد، يعنى المدرس يحتاج إلى معجزة لأداء مهمته، التى دائماً ما يفشل فيها، فيكون الحل هو ظاهرة الدروس الخصوصية، أو المراكز التعليمية -السناتر- فضلاً عن الإهمال الجسيم، وعدم وجود صيانة دورية للمبانى، فتتهالك الأبنية.

تطوير التعليم يجب أن توضع له استراتيجية لا تتغير بتغيير وزير التعليم، محاورها ثلاثة: أولاً، المناهج التعليمية وخطة لتطويرها وتحديثها وربطها بالنشاط الاقتصادى والخدمى للمجتمع بأكبر قدر ممكن. ثانياً، الأبنية التعليمية وضرورة الحفاظ على معدل لكثافة التلاميذ فى الفصول لا يتجاوز 30 تلميذاً فى الفصل. ثالثاً، المعلم من خلال بناء القدرات للمعلم، لمواكبة المناهج الحديثة واستخدام وسائل التعليم الحديثة، بالإضافة إلى البناء على الخبرات السابقة.

فإذا كنا قد أنشأنا نظام التعليم التجريبى، وظل يعمل لسنوات، وبالفعل حقق نجاحاً فى تخريج مستوى تعليمى جيد يقترب من التعليم الخاص، السؤال: لماذا لا نعمم التجربة؟ ولماذا يظل تجريبياً إلى الأبد، ونضع خطة لتعميم التجربة مع تطويرها أكثر؟

الحق فى المعرفة والتعليم من حقوق الإنسان الواردة فى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التى يجب أن يتمتع بها الإنسان، ومصر من الدول التى كان لها تصنيف مهم فى توفير هذه الخدمة للمواطنين، ولقد سمح الدستور الجديد بزيادة موازنة التعليم والصحة، وهو أمر محمود، فيجب أن نعمل فوراً على وضع هذه الاستراتيجية، ليكون الهدف هو الارتقاء بالتعليم والخريجين، ليكون لدينا الكفاءات التى تعمل وتنتج، بل التى نستطيع أن نقدّمها لسوق العمل الدولية فى الأسواق المحيطة بنا، التى تطلب مهارات عالية راحت تبحث عنها فى أسواق أخرى غير مصر، فضلاً عن حاجة مصر أيضاً إلى التعليم الذى يقود إلى تعزيز وتطوير البحث العلمى الذى يقدم حلولاً علمية بأقل التكاليف لكثير من المشكلات، التعليم ليس فقط ارتكازاً أساسياً للنهضة، وإنما هو استثمار كبير فى البشر، لذلك فليكن شعار البرلمان المقبل «التعليم أولاً».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف