الجمهورية
صلاح الحفناوى
استنساخ برلمان الإخوان
ما اشبه الليلة بالبارحة.. قبل انتخابات برلمان ما بعد احداث يناير.. كان الشباب الثوري يناضل في ميدان التحرير باعتباره التميمة ¢الميدانية¢ للثورة.. ومعه نضالات ثورية في معظم الميادين الرئيسية.. كان النضال لذيذا ومسليا.. خيام شبابية ثورية وامسيات فنية ثورية وحلقات ذكر ثورية.. وشعار لا يتغير ¢الاعتصام التام.. أو الموت الزؤام¢.
كانت آلة الإعلام المشبوه تشجع الشباب علي الاستمرار في النضال ¢الاعتصامي¢.. حتي تتحقق جميع مطالب الثورة التي لم يكن يعرفها احد علي وجه التحديد في ذلك الوقت.. وحتي يتحقق النصر الكامل دون تحديد دقيق للعدو الذي من المفترض ان ينتصر عليه الشباب.. ولا تحديد طبيعة العلاقة بين الاعتصام المزمن وبين الانتصار المؤزر.. كان مبارك قد ترك الحكم البرلمان تم حله والدستور تقرر تعديله والعادلي في السجن والاحداث تتوالي.. فيما الاعتصام مستمر والمعتصمون مصرون علي دوام الاعتصام.
وقتها حاول شرفاء الوطن التحذير من مؤامرة شديدة الخطورة تهدف الي شغل الشباب بالاعتصام باعتباره فعلا ثوريا قائما بذاته.. فيما خفافيش الظلام تعمل بدأب في القري والنجوع وفي كل شارع من شوارع مصر للفوز بالأغلبية البرلمانية.. الشباب في الخيام وخفافيش الظلام توزع الزيت والسكر وتنظم المجموعات الدراسية لطلاب الثانوية وتقيم المسابقات الرياضية بجوائز انتخابية سخية.. يطفون علي المأتم للعزاء وعلي الافراح للمجاملة.. انتشرت لافتات الاخوان المسلمين في كل ربع ونجع.. وامتلات سرادقات المناسبات الحزينة والسارة بأصحاب الذقون المرسلة والسراويل القصيرة من سلفيي آخر الزمان.
وتحقق للخفافيش ما ارادوا وجاء البرلمان كارثيا.. انتهت الاعتصامات بعدما حققت الهدف منها: سقوط القوي المدنية وسيطرة القوي المتاجرة بالدين.. لنشاهد برلمانا هزليا يشرع لنكاح الوداع وزواج القاصرات.. بعض نوابه يرفعون الأذان في قاعة البرلمان فيما آخرون يمارسون التحرش علي قارعة الطريق الزراعي.
واليوم تتكرر نفس المشاهد منذرة ببرلمان كارثي.. مليشيات الاخوان كالعادة تقود المسيرة الاليكترونية علي مواقع التواصل الاجتماعي.. والشباب المغيب ينساق خلفها بلا وعي.. والهدف الخفي والمعلن هو إشاعة متعمدة للسلبية واللامبالاة.. والترويج لدعاوي مقاطعة الانتخابات والتي تهدف إلي اخلاء الساحة لأنصار الإخوان وتجار الدين.. ليستنسخوا تجربة البرلمان الاعتصامي الهزلي الذي اسقطته ثورة الشعب في الثلاثين من يونيو.. وهو ما لو حدث سينذر بكارثة بكل المقاييس لان البرلمان القادم بحكم الدستور المعيب يملك من الصلاحيات ما يفوق صلاحيات كل مؤسسات الدولة الاخري مجتمعة بما في ذلك مؤسسة الرئاسة.
المقاطعة هي الحل.. هذه هي العبارة التي اخذت تنتشر انتشار النار في محطة بترول "لعدم وجود هشيم" علي جميع المواقع الاليكترونية.. فالمرشحون اما فلول وأذناب او رجال اعمال من الفاسدين المفسدين او اخوان وتجار دين.. والمشاركة في الانتخابات جريمة.. فيما رؤساء الاحزاب مشغولون بمساجلات وخناقات ومشاجرات تليفزيونية.. والمحللون البرلمانيون الاستراتيجيون يتحدثون بلغة أهل الفضاء.. لشعب لا يعرف غير العامية المصرية المعجونة بعشق الوطن.
الأجواء الحالية لا تبشر ببرلمان محترم يرقي الي مستوي الطموح ويعبر عن مرحلة هي الاخطر في عمر الوطن.. ورجل الشارع تائه لا يعرف حتي هذه اللحظة.. كيف سيدلي بصوته.. ولا كيف يختار مرشحاً من بين عشرات المرشحين الذين لا يعرفهم ولا يعرف انتماءاتهم ولا خلفياتهم.
كل المعطيات الانتخابية الحالية تقود الي حقيقة واحدة تلخصها عبارة ما اشبه الليلة بالبارحة.. فقد انتقلنا من اعتصام الميدان الي اعتصام مواقع التواصل.. ولم يبق سوي استنساخ برلمان زمن الاخوان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف